StatCounter

الأحد، 30 ديسمبر 2012

عن المظلومين


(التدوينة رقم 30 في مشروع ال 31 تدوينة)

عن المظلومين اليوم أكتب، عن معاناتهم اليومية مع الظلم المتجسد في أشكال مختلفة.

عن الدين المظلوم بين جفاء بعض أبنائه و بين جهل البعض الآخر. ذاك الدين الذي إن ظهر في صورته الحقيقية لرآه الناس على حقيقته، نور للحياة. لكن فريقاً من أبنائه يصرون على رميه بتهم التخلف و التحجر. الفريق الآخر يثبت تلك التهم.

عن الشعوب المظلومة بين لامبالاة و جهل حكامها و بين نفاق و تبعية بعض أبنائها. تلك الشعوب التي إن عاشت الحياة الكريمة التي تستحق كانت ستبني فتُرزق فتسعد فتعيش. لكن حكامها قيدوها و أوهموها أنهم أدرى بمصالحها و هم على النقيض من ذلك، هم سارقو خيرها و قاتلو أملها. المصيبة في بعض أتباع الحكام من أبناء الشعوب، يغذونهم مدحاً و نفاقاً ليتغذَّوا نقوداً و جاهاً.

عن العلوم المظلومة بين من هجرها هجراً بطعم القتل، و بين من استعملها استعمالاً بطعم القتل كذلك. فريق حول علوم الكون العظيمة إلى مادة جافة تدرس لأبناء المدارس بأسلوب جاف كي يكرهوها فينشؤوا على حب كل ما سواها. فريق آخر أمسك بتلابيب العلم و أتقنه، ثم استعمله ليصنع الأسلحة و يقتل من هو أضعف منه.

عن اللغة المظلومة بين متكبر عليها يشم فيها رائحة الماضي الذي يجب أن يُدفن و بين مستعمل لها أسوأ استعمال. الأول هجرها و تعلم لغة غيرها ليبرطم بها برطمة لا تزيده إلا تبعية للغير الذي لا يأبه بذاك الذي هجر لغته. الآخر استعملها أقبح استعمال في أغانٍ هابطة لا طعم فيها و لا رائحة، و في بذاءات لا تُقبل و لا تُرضى، بدل أن يصوغها في قطع أدبية تحيي الروح قبل الجسد.

عن المواهب المدفونة في نفوس أطفالنا بين من يمنع ظهورها و بين من يستهزيء إن ظهرت. الفريق الأول أشرف على تعليم أطفالنا في المدارس فلم يعر أي اهتمام للموهبة المدفونة في نفس كل طفل من حب للكتابة أو الرسم أو الرياضة و قام بتوجيههم اتجاهاً واحداً لا خير في غيره على زعمه: الطريق العلمي من طب و هندسة و حاسوب، على ما في الاتجاه العلمي من خير إن اتجه له أهله فقط. الفريق الثاني رأى تلك الموهبة تبرز في الطفل فوصل ليله بنهاره استهزاءً به و تنقيصاً من قدره إن هو لم يترك تلك الموهبة و ينشغل بغيرها.

المظلومون كثر، و إنقاذهم واجب. أما أسلوب الإنقاذ فهو الأهم. فإما أسلوب ذكي مع نية حسنة لدراسة أصل المشكلة و معالجتها، أو أسلوب سطحي و نية فاسدة لوضع مساحيق تجميل على قشور المشكلة، مساحيق ستزول بعد حين و تبقى المشكلة.

السبت، 29 ديسمبر 2012

حب التاريخ قراءة و تأملاً

(التدوينة رقم 29 في مشروع ال 31 تدوينة)

أحب قراءة التاريخ، أحب كل ما هو قديم. قد يعتقد البعض أنني أحب التاريخ لأن التاريخ يعيد نفسه و لأن فيه عبراً كثيرة، و كلا هذين الأمرين صحيحان، لكنهما ليسا السبب الرئيسي. حبي ببساطة راجع لكون قراءة التاريخ تجلب لي متعة لذيذة، كمتعة الطفل حين يركب الدراجة لأول مرة و ينطلق بكل فرحة، فرحة لا حساب فيها للفوائد المترتبة أو العبر المتحصلة، إنما هي المتعة لمجرد المتعة.

و الحق أن قراءة التاريخ تنقسم عندي إلى عدة أنواع، و هذا التقسيم عائد لهوى شخصي و خبرة ذاتية لا لدراسة علمية متفق عليها. خذ مثالاً قراءة ما كتبه أحد المؤرخين قبل عدة مئات من السنين عن زيارته إلى بلد بعيد غريب، و تسجيله لمعالم ذاك البلد و تتبعه لطبائع أهله.

قراءة كتاب كهذا قد تكون سبباً في انعزالي عن محيطي و غرقي في عالم من الخيال، أتخيل نفسي سائراً مع ذاك المؤرخ، أعاين ما يعاينه، آكل مما يأكله بل حتى أُدهش حين أشاهد شيئاً لم أعتد رؤيته في بلدي، يستعمله أهل ذاك البلد بشكل يومي. لعل أحب الأمثلة إلى قلبي هو كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" (الإبريز هو الذهب)، و هو الكتاب الذي كتبه العالم المصري الأزهري رفاعة رافع الطهطاوي قبل أقل من مئتي عاماً حين ابتعثه محمد علي باشا عام 1826 مع وفد من الطلاب المصريين إلى باريس، عاصمة النور الفرنسية. في هذا الكتاب، و على مدى خمسة أعوام، قام الطهطاوي برسم صورة رائعة للمجتمع الفرنسي في ذاك الزمن، طعامهم، شرابهم، عاداتهم، نقلهم للمياه، استعمالهم للبريد، قراءتهم للصحف في المقاهي.

رفاعة رافع الطهطاوي

نوع آخر أحب قراءته هو المذكرات الشخصية التي كتبتها شخصية عاشت منذ زمن طويل، معروفة كانت أم مجهولة، رجلاً أم امرأة، ابنة ديني و ثقافتي أم ابنة دين آخر و ثقافة مختلفة. أعشق فكرة أن أحد بني البشر قد جلس في غرفته قبل عشرات أو مئات السنين ليكتب كلاماً خاصاً، ربما كتب مشاعره تجاه أحد أفراد أسرته، أو أبدى رأيه في عادة من عادات مجتمعه. قد يكتب ما يشاء أن يكتب لكن الجميل هو أنني أجلس في بيتي بعد مئات السنين لأقرأ ما كتبه، كلام غير رسمي، غير صادر عن إعلام الدولة، غير مكتوب في مقال صحفي. خذ مثالاً المذكرات الشخصية التي تم نشرها مؤخراً للملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا لثلاثة و ستين عاماً في القرن التاسع عشر و عام واحد فقط في القرن العشرين. مذكرات بدأت كتابتها عام 1832 قبل أن تصبح ملكة و انتهت بوفاتها عام 1901. تسعة و ستون عاماً من المذكرات المكتوبة بخط يدها و التي سمحت لي شبكة الانترنت بتصفحها كما هي، كما كُتبت، حتى الرسومات التي رسمتها فيكتوريا، الكاتبة، على صفحات مذكراتها. (كانت المذكرات متاحة مجاناً حين نشرت قبل سبعة أشهر لكنها أصبحت الآن تتطلب اشتراكاً)

و هل يفوتني أن أذكر تصفح الجرائد القديمة المنشورة قبل عشرات بل مئات السنين؟ أنا أتحدث هنا عن تصفح تلك الجرائد بنفس صورتها التي طبعت عليها، و قد أتاحت لنا العديد من الجرائد تصفح أرشيفها و من بينها جريدة الأهرام المصرية التي نشرت على موقعها كل عدد طبعته منذ عددها الأول عام 1876، لتسمح لنا بسبر أغوار عشرات السنين من التاريخ العربي و العالمي من منظور عربي.

عشقي للتاريخ لا يتوقف عند الكلام المكتوب فقط، بل يتعداه إلى الصور القديمة، الصور التي قد تحمل في بعض الأحيان من الكلام ما قد يعجز عن قوله مجلد ضخم. قل لي مثلاً كيف تشعر حين ترى صورة لمدينة باريس عام 1838، صورة تظهر فيها بيوت و محال تلك المدينة الساحرة قبل ما يقارب المئتين من الأعوام. المثير في الصورة أن تقنية التصوير في ذاك الحين لم تسمح بالتقاط صور الأجسام المتحركة لأن مدة التعريض Exposure time كانت تمتد إلى عشر دقائق. لذا فإن الإنسان الوحيد الذي يظهر في تلك الصورة هو رجل وقف دون حراك أمام ملمع الأحذية كي يقوم بتلميع حذائه، و بذا أصبح أول إنسان يظهر في صورة فوتوغرافية في التاريخ، بسبب حذائه، أو قل بسبب اتساخ حذائه.

قد يكون لكل منا هواياته التي يحبها و ميوله الشخصية التي يعشقها و يلجأ إليها ليهرب من ضغوط الحياة و يشعر ببعض الراحة. أنا وجدت هوايتي في القراءة و عشقي في التاريخ. إن أراد أحد أن يهديني الهدية المثالية، فهي تتلخص في كلمتين: آلة زمن.

Boulevard du temple / 1838
  أول صورة لإنسان (في الربع السفلي على الشمال)



الجمعة، 28 ديسمبر 2012

حلم ليلة في منتصف شتاء

(التدوينة رقم 28 في مشروع ال 31 تدوينة)


حلم ليلة في منتصف شتاء*

بيني و بين الكتاب علاقة غريبة. فأنا أحب أن أمسكه و أقلب صفحاته و أطالع كلماته ولفظاته و أتشرب بمعانيه و عبراته، و هو بالمقابل يبث من صفحاته سحراً غريباً يتسلل عبر أصابعي في كل أنحاء جسدي حتى يصل ذاك السحر المتسلل إلى عينيّ، فيغلقهما رويداً رويداً، ثم يبدأ رأسي بالتدلي إلى أسفل ببطء متثائب حتى أستسلم بكلي للنوم اللذيذ. و ما هي إلا لحظات قليلة حتى يبدأ أحد أحلامي الغريبة بالظهور، فأرى ما لا يمكن أن أراه في يقظتي. سأفترض أنني أقرأ كتاباً الآن و أضرب لكم مثلاً على ما قد يحدث معي في عالم الأحلام الغريب. 

أنا منهمك في قراءة كتاب ما، و في أوج انشغالي بدأ التثاؤب يتسلل إلى فمي و عيني رغم أنه لم يصل إلى قلبي السعيد بما يقرؤه. استسلمت للذة النوم و رأيت في المنام أموراً غريبة. وجدت نفسي في أرض معركة في أحد القرون السابقة. أبصرتُ من حسبته قائد الجيش يقترب مني متوجساً على ما يبدو من غرابة ملبسي. عاجلني بسؤال: "من أنت أيها الفتى؟" أجبته بجمل قصيرة متقطعة فيها من الكذب ما فيها، لأنني عرفت أنه لن يصدق حقيقة أنني قاريء كتاب مسافر بأحلامه في الزمان و المكان. أبدى القائد دون اكتراث تصديقه لما سقته من كذبات مغلفة، ثم ألقى إلي بسلاح و أومأ إلي كي أدخل أرض المعركة.

وقفت هنيهة، تارة أنظر إلى السلاح، و أخرى إلى وجه القائد الصارم. حينها تذكرت أنّ أم المعارك التي خضتها في حياتي هي مع فأر وجدته في الحمام، فانقلب استغرابي رعباً، و تحولت جملي الكاذبة إلى تلعثمات غير مفهومة. لكن القائد ما زال ينظر إلي نظرة واحدة و هي أنني جندي جديد في جيشه، فدفعني إلى أرض المعركة و هممت أن أرفع سلاحي لأعاجل به رأس أي جندي معادٍ، ففوجئتُ بسيف يهوي من أعلى متجهاً بما لا يثير أي شك صوب رأسي. أغمضت عينيّ منتظراً لحظة الوفاة، ثم فتحتهما لأجد نفسي في مقعدي الوثير مع كتابي المسلي. تنفست الصعداء و ابتسمت، ثم نظرتُ إلى الكتاب فرأيت اسمه "زاد الباحث في التاريخ" و قرأت في الصفحة المفتوحة فرأيت وصفاً لمعركة تاريخية قديمة، فضحكتُ و استبشرت أنه كان مجرد حلم.

قمتُ من مقعدي لأغسل وجهي بعد هذا الحلم، و ما أن اقتربت من باب الغرفة حتى قفز من وراء الستارة ذات القائد بذات الوجه الصارم حاملاً ذات السيف فوقعت من خوفي أرضاً. اقترب مني القائد بغضب واضعاً سيفه على رقبتي و قال: "لماذا هربتَ من أرض المعركة أيها الجندي؟ أتترك جيشك يواجه العدو وحده؟" تلعثمتُ و لم أدرِ ما أقول، و أردت أن أستمر بالكذب على هذا القائد لكنني أدركتُ أنني في مقام الضعيف الموشك على الهلاك، و رأيت أن طلب العفو هو الحل الأمثل، فاعتذرتُ و أبديتُ ندمي على سوء تصرفي و هروبي، و ألحقتُ اعتذاري تأكيداً على عدم نيتي العودة إلى ذاك الفعل، ثم ألحقتُ تأكيدي أيماناً مغلظة أنني سأقاتل ببسالة في المعارك القادمة مع ذاك الجيش الذي لا أدري عن أي بلد يدافع و عن أي أرض يذود.

بدا القائد غير مقتنع بما أقوله، و أيقنت أنه قاتلي لا محالة. قال لي: "لا طعم لاعتذاراتك بعد جرمك الكبير. سأسمح لك أن تذهب لتودع والديك و إخوتك ثم عد إلي لأفصل هذه عن تلك." و أشار بسيفه إلى رأسي ثم إلى عنقي. أخبرتُه أنني وحيد لا إخوة لي، و أن أهلي يعيشون في بلد آخر** و بدا أنّ آخر فرصة لتأجيل موتي قد تبخرت.

اقترب مني ببطء، ضاقت عيناه و برقتا فأيقنت أن لحظة المنية قد حانت، فأغمضت عيني و انكببت أدعو الله أن يغفر لي ذنوبي و أن يجعل موتي سريعاً لا ألم فيه.

فجأة سمعتُ صوت السيف يسقط على الأرض و صوت القائد يقول بصوت عالٍ: "لا إخوة لديك؟ أنت إذن معفيّ من التجنيد، و لدينا اليوم عرض خاص لأمثالك، طقم معالق و صحون للمطبخ بسعر خاص." فتحت عينيّ فإذا السيف قد انقلب حقيبة جلدية و لباس الحرب قد انقلب ملابس عصرية و القائد قد انقلب بائعاً سمجاً يحمل أطقماً من الصحون و المعالق الملونة و النظرة الصارمة المخيفة قد انقلبت ابتسامة بلهاء سخيفة.

"ما رأيك؟ صحون حمراء مزركشة مع معالق بيضاء مقلمة؟"

استيقظتُ فجأة و أدركت أنني كنت في حلم داخل حلم. نظرتُ إلى الكتاب الذي بين يدي فوجدته كتاباً للنكات اسمه "الخفيف في طرائف التاريخ".

أردت أن أقوم من مكاني لأغسل وجهي لكنني عدلت عن هذا، و بقيت في مقعدي واضعاً رأسي بين يديّ، ناظراً إلى الكتاب، متيقناً إما أنني بدأت أفقد عقلي، أو أنني فقدته منذ زمن و بدأت أدرك هذا الأمر الآن.

النهاية
(إفراج عن القاريء)

هوامش
* كل الاعتذار من الزميل القدير، ابن الوطن البار، الباحث عن لقمة عيشه، المطالب بمحاربة الفساد، وليم شكسبير، مؤلف مسرحية "حلم ليلة في منتصف صيف" و صاحب الدكانة في آخر الحارة.
** الواقع أن أهلي يعيشون في نفس بلدي، الأردن، و أنّ لديّ ثلاثة إخوة بطابيط.

الخميس، 27 ديسمبر 2012

طرائف الرحالة هاشم

(التدوينة رقم 27 في مشروع ال 31 تدوينة)

سافرت مع أخي هاشم إلى لندن و باريس عام 2006.

وجودنا في باريس تصادف مع المباراة النهائية من بطولة كأس العالم لكرة القدم بين إيطاليا و فرنسا.

الشوارع فارغة. أنا و هاشم نتحرك بسرعة و ننزل إلى منطقة قطار الأنفاق لنستقله كي نشاهد المباراة في الفندق.
وصلنا إلى شباك التذاكر حيث يجلس الإنسان الوحيد الموجود حينها في منطقة قطار الأنفاق.
تخيلوا معي غرفة بيع التذاكر. بائع التذاكر يجلس وحيداً منتظراً نهائي كأس العالم الذي تلعب فيه بلده، أمامه تلفاز صغير، وجهه مدهون باللون الأزرق، لون منتخب فرنسا.
في واقع الحال، كانت كل المدينة مكتسية باللون الأزرق و جملة Allez les bleus و التي تعني "هيا أيها الزُرق".

بعد أن اشترينا التذاكر، شكرنا الرجل، و قرر أخي هاشم أن يضيف جملة باللغة الفرنسية التي لا يتقنها فقال للرجل: "Allez la bla" بدلاً من "Allez les bleus".

نظر الرجل إلى أخي باستغراب، و كذلك فعلت أنا.




***

أثناء تجوالنا في لندن دخلنا إلى حمام عام. 

بعد أن قمنا بغسل أيدينا، توجه هاشم إلى آلة تجفيف اليدين و ضغط عليها ثم وضع يديه تحتها.
لم يخرج هواء من الآلة.
ضغط مرة ثانية.
و ثالثة.
لا شيء.
اقترب أحد الشباب من آلة تجفيف الهواء، حملها تحت إبطه و غادر الحمام.
نعم، غادر الحمام حاملاً "خوذة الدراجة النارية" التي كان أخي هاشم يضغط عليها منتظراً خروج الهواء.

ضحكنا كثيراً في ذاك اليوم.


***

اكتشفت في تلك الرحلة صفات غريبة في أخي هاشم.
إنسان غريب، مميز، لطيف و مضحك.

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

أبي و الحلاق و أنا

(التدوينة  رقم 26 في مشروع ال 31 تدوينة)

يدرك المرء أنه تقدم في العمر إذا بدأ إحدى قصصه ب "قبل أكثر من عشرين عاماً".
أنا أبلغ من العمر الآن ثلاثين عاماً و الحمد لله.

***

قبل أكثر من عشرين عاماً، كان أبي يأخذني معه إلى الحلاق. حفاظاً على الخصوصية لن أذكر اسم الحلاق و مساعده. سأسميهم في قصتي سامر (الحلاق) و وائل (مساعده). اسم صالون الحلاقة كان على اسم صاحبه، صالون "سامر".

كان مساعد الحلاق "وائل" يضع لي لوحاً خشبياً بشكل عرضي مرتكزٍ على يدي كرسي الحلاقة لأجلس عليه كي يصل رأسي إلى مستوى يعلو رأس الكرسي لتسهيل الحلاقة.

حين يحين دور أبي في الحلاقة، كنت أجلس في مقعد الانتظار و أشاهد الحلاق "سامر" و هو يحلق شعر أبي. بعد أن ينهي حلاقة شعر رأسه كنت أشاهد مشهداً غريباً يتكرر في كل مرة. مشهد لم أجد له تفسيراً إلا بعد سنين.

كان الحلاق يُدني وجهه حتى يصبح على مسافة أصابع قليلة من وجه أبي العزيز، يكاد يلمسه. ثم يبتسم الحلاق ابتسامة صفراء تظهر معها أسنانه و يرفع يديه الاثنتين في الهواء على كلتا جهتي رأسه مطبقاً السبابة على الإبهام في كل منهما، ثم يبدأ بتحريك رأسه إلى الأمام و الخلف و يحرك يديه بشكل معاكس، و أبي جالس لا يقول شيئاً. يستمر الحلاق بتحريك رأسه و يديه أمام وجه أبي محتفظاً بذات الابتسامة الصفراء و الأسنان الظاهرة، و يستمر أبي في صمته و نظره إلى الأمام.

معضلتي في ذاك الحين كانت السبب الذي يدفع هذا الحلاق الذي كنت أحسبه لطيفاً إلى السخرية من أبي بهذا الشكل. و السؤال الذي حيرني أكثر هو لماذا يجلس أبي، صاحب الشخصية القوية، لماذا يجلس دون أن يرد على هذا الحلاق المتطاول و يعلمه الأدب؟

مرت سنون و دخلت سن المراهقة المزعج و بدأت أميل إلى الذهاب إلى صالونات حلاقة شبابية، و هجرت حلاق الرجال الذي كنت أذهب إليه مع أبي. مرت سنون أخرى و أخذت رخصة قيادة السيارة و أصبحت أمر أمام صالون "سامر" بين الحين و الآخر، أنظر إلى لوحة المحل من الخارج "صالون سامر" و ألقي نظرة خاطفة داخل المحل فأرى سامر و وائل كما هما، على مدى أكثر من عشرين عاماً لم يغيرا شكل محلهما و ما زالا يعملان كعادتهما، حتى أن شكلهما لم يتغير.

كنت أَعِدُ نفسي في كل مرة أمر فيها أن أدخل يوماً و أسلم عليهما بعد هذه السنين الطويلة و أحلق شعري، فقد كبرت و تخرجت من الجامعة و أصبحت أقود سيارتي و لم أعد أهتم بكون الحلاق للشباب أم للرجال. بل كان لدي حنين لهذا الحلاق و صالونه اللذين يرمزان لطفولتي و بساطتها. 

قمت بتأجيل الحلاقة عنده على مدى سنين أكثر من مرة حتى مررت قبل مدة قصيرة أمام صالونه فرأيت لوحة جديدة مكتوب عليها "صالون وائل". نظرت في الداخل، رأيت وائل و لم أرى سامر. لا أدري أين ذهب سامر، و لكنني أشعر بتأنيب الضمير لأنني لم أدفع نفسي في يوم من الأيام إلى النزول و السلام عليه قبل أن يترك الصالون و يختفي اسمه من لوحة الصالون.

نسيت أن أذكر سر "سخرية" سامر من أبي، أو كذلك كنت أظنه يفعل. اكتشفت مع مرور السنين و ولوجي سن المراهقة و خروجي منها اختراعاً يستعمله الحلاقون لحلاقة شعر الوجه، ألا و هو الخيط. تبين أن سامر كان يضع الخيط في فمه و يطبق عليه كما لو كان مبتسماً، و يمسك طرفيه بيديه ثم يستعمله لحلاقة شعر وجه أبي. أنا كطفل صغير كنت أرى حركات اليدين و تعبيرات الوجه و لم أكن أرى الخيط نفسه.

لماذا نؤجل كل ما نريد فعله حتى يفوت الأوان ثم نندم حين نكتشف نتيجة تأجيلنا؟
و لماذا نسيء الظن بالناس؟ أيكفي أن نرى ما نظنه "سوء" تصرف كي نحكم على الفعل و صاحبه؟

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

هاري بوتر و سر الأزعر الأشقر

(التدوينة رقم 25 في مشروع ال 31 تدوينة)

مصطلحات
الأزعر: هو مصطلح في الثقافة الأردنية، و يرمز للشخص إذا عشق المشاكل و بحث عنها و عُرِف عنه ذاك الطبع.

القصة
وقت الغروب هو الوقت المفضل لدى هاري بوتر، ابن عشيرة البواترة الأردنية العريقة، للجلوس وحيداً متأملاً في وجوه المارين في الشوارع و إلقاء التعليقات السمجة. لم يدر في بال هذا الفتى أنّ أحداث يومه ستتسارع فجأة.

هل ذكرتُ أنّ هاري هو ساحر و خريج من مدرسة هوجوارتس الثانوية للبنين لتعليم السحر و الخياطة؟ نعم، أو كان على وشك أن يتخرج لو أنه لم ينسحب من المدرسة ليجرب حظه في عالم الأعمال الحرة.

عودة إلى صديقنا و جلسته المتأملة التي لم تدم طويلاً.

"هاري، هاري."
"رون؟ ما بالك؟"
"أرِ الشباب جرحك."

ابتسم هاري ابتسامة خفية ثم أطرق برأسه صوب الشباب الواقفين خلف رون، أبدى ممانعة مصطنعة سرعان ما أعقبها بموافقة على طلب صديقه ذي الشعر الأحمر. وضع هاري يده الشمال على جبينه و مسح بها إلى الأعلى رافعاً مقدمة شعره ليكشف عن جرح صغير على شكل صاعقة.
ذُهِل الشباب.

"أُصِبتُ بها و أنا أعارك خمسة شباب في حارتي القديمة، لوحدي، و كانوا مسلحين."
صُعِق الشباب.

"طبعاً الجرح ليس بسبب ضربة تلقيتها، فقد فتكت بهؤلاء الشباب بمفردي، لكن بعد أن ضربتهم استللت سكيني و ضربت نفسي بها ثم ذهبت أشكوهم في قسم الشرطة. أردت أن أتغدى بهم قبل أن يتعشوا بي."
"نعم، هاري هو ملك الخداع في عالم السحرة "، أضاف رون، فخوراً بزميله.
"لا تبالغ يا رون، أنا مجرد إنسان بسيط من أبناء هذا الوطن الجميل." قالها هاري دون اقتناع، و دون أن يحاول إخفاء عدم اقتناعه.

"فعلاً بسيط. أسمعتم ماقاله هذا الصعلوك المدعو هاري؟"
نظر هاري و رون سريعاً إلى مصدر الصوت فوجدوا فتى أشقر ينظر إليهم بتحدٍّ و معه فتيان ضخمان.
اقترب الفتى الأشقر منهم و قال:
"أسمعتَ ما قلتُه يا هاري؟ السمّ ال"هاري" إن شاء الله."

رد رون سريعاً: "دريكو؟ ماذا تفعل في حارتنا. أنت تعلم أن الشرطة منعتك من الدخول إليها."
عاجله هاري بالسؤال: "من هذا الدريكو؟"
رد الفتى الأشقر متحدياً و ساخراً: "مالفوي. احفظ اسم سيدك يا صعلوك. دريكو مالفوي."

ابتسم هاري ابتسامة توحي أنه أوقع غريمه في فخ، ثم رد بصوت خافت لا يخلو من تحدٍّ و استهزاء مماثلين:
"مال-فوي؟ أم مال-أهلك؟"

يبدو أن هاري قد استثار دريكو بما فيه الكفاية لينتفض الفتى الأشقر و يخرج عصا سحرية من جيب الجينز الخلفي و يشير بها إلى هاري. عاجله هاري بنفس الحركة.

يبدو أن الموقف قد احتدم، دريكو من جهة يحمل عصاه من نوع "فساديا" المصنوعة من ريش طائر دودو أرمل، هاري من الجهة الأخرى يحمل عصاه "زوبا" المصنوعة من شعر حصان عاشق.

رفع دريكو عصاه و قال: "كوتوموتو كوتوموتو... الآن أريد أن يموتوا".
ما هي إلا لحظات حتى خرج من عصاه السحرية عملاق يتجاوز طوله الخمسة أمتار و عرضه الثلاثة أمتار. كان العملاق "كوتوموتو" ممسكاً في يده مفكاً طويلاً و يلوّح به و هو يمشي ببطء باتجاه هاري.

توتر هاري للحظة ثم تمالك أعصابه و رفع عصاه و صاح:
"بنادول و فولتارين... للصداع علاج و للألم تسكين."
فجأة، ظهر من لاشيء كائنان طويلان يقفان أمام هاري، "بنادول" و "فولتارين". كانا ملتصقين من جهة الظهر ببعضهما البعض. أخذا يتحركان بشكل جانبي باتجاه دريكو و صديقيه و وحشه "كوتوموتو".

بعد لحظات حدث ما لم يكن ببال أي من السحرة. أخذت الوحوش تتعانق و تربت على ظهور بعضها البعض و تتحدث و تضحك، ثم استداروا نحو السحرة المتقاتلين و شرحوا لهم الموضوع.

بدأ كوتوموتو الشرح: "كنا زملاء، بل أصدقاء أعزاء في مدرسة الوحوش."
ثم دخل بنادول و فولتارين على الخط و قالا بصوت واحد: "و للأسف تفرقنا بعد المدرسة و ذهب كل منا في طريق."
أكمل كوتوموتو: "و في طريق كسب العيش الشاق، فقد انتهى بنا المطاف في عصيكم."

"كنت أظن أن الوحوش المختبئة موجودة فقط في كرات البوكيمون لا في العصي السحرية؟" تساءل رون بكل بساطة.
أجابه هاري: "للأسف فإن صعوبة الأحوال المادية أدت إلى عقد اتفاق بين شركة الوحوش البوكيمونية و مدرسة هوجوارتس الثانوية لإيواء الوحوش المشردة في العصي السحرية مقابل أن يصوت موظفو شركة الوحوش البوكيمونية لمدير المدرسة، الحج دمبلدور، في الانتخابات النيابية."

عاود كوتوموتو الحديث: "لكن الآن بعد أن التقينا فإننا لن نتعارك، و لن نسمح لكم بالتعارك كذلك. أنا أدعوكم جميعاً على الغداء."

في نهاية المطاف، جلس الجميع سعيدين يأكلون الفول و الطعمية و يتبادلون النكات عن أيام المدرسة.

العبرة
هذه القصة السطحية عصية على أكبر فيلسوف، فلا يمكن أن تستنتج منها أي عبر. أنصحك بتناول الفول و الطعمية لعلاج أي اكتئاب أصابك بعد قراءتها.

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

اصمت و أنصت

(التدوينة رقم 24 في مشروع ال 31 تدوينة)

الاستماع إلى جلسات TED ينعش الحواس، يفتح الذهن، يحرك الأفكار و هو ببساطة مسلِ.

حب مساعدة الناس هي صفة رائعة، إن وجدتها في نفسك فعليك بتنميتها، و إن لم تجدها فعليك بإيجادها.

الأساس أن تستمع إلى الناس و احتياجاتهم و رغباتهم ثم تساعدهم على تحقيقها. لا تعامل الآخرين كأنك السيد الذي جاء ليحقق لهم ما يراه هو مناسباً، حتى لو كانت نيتك سليمة. ما تراه مناسباً قد لا يكون مناسباً لهم.

أهم شيء هو الرغبة لدى الإنسان لينمو و ينجح. فكرتك الجيدة لن تنجح مع شخص لا يريد تحقيقها. فكرته الجيدة ستنجح إن ساعدته.

اجلس مع الناس في أي مكان مريح، في المقهى، في بيوتهم، أغلق جهاز الكلام المسمى "الفم" و شغّل جهاز الإنصات المسمى "الأذن". 
انظر جيداً إلى الشخص الجالس أمامك و اسأل نفسك:
ماذا يريد هذا الإنسان فعلاً؟
كيف يمكنني أن أساعده لتحقيق أهدافه؟

صديقي أرسل لي هذه الكلمة من TED. 

كلام جميل و يدخل العقل، أسلوب مسلٍ، و لهجة إيطالية مضحكة.
استمتعوا.




الأحد، 23 ديسمبر 2012

قفزة المانجا

(التدوينة رقم 23 في مشروع ال 31 تدوينة)

في تدوينتي السابقة ذكرت المانجا و القفز في البحر.

من حق الإنسان الطبيعي أن يتساءل عن هذا الموضوع. الشرح بسيط.

هل تذكرون فايد؟
جميل.
هل تذكرون أنني أخبرتكم عن حبي للمانجا؟
ممتاز.

يكفي أن أخبركم أنني و أفراد أسرتي نتشارك نفس العشق للمانجا.

تم تعريفكم بالمكان، العنصر الرئيسي، الشخوص. بقيت القصة.

إليكم تصوير المشهد.

مرحلة الإعداد...
مجموعة من الشباب الأشاوس، يرتدون ملابس البحر، يجلسون بصمت و وقار أمام حبات المانجا السحرية، في يد كل منهم سلاحه السحري، السكين.

عد تنازلي...
لحظة الصفر..
هجوم المانجا...

أشجعهم يقطعها بشكل طولي، أقواهم يقطعها بشكل عرضي، أسرعهم يقطعها بيديه.
قطرات متطايرة، قشور متساقطة، أفواه فاغرة، بطون جائعة.

مرحلة التأهب و الهجوم...
شحذ الأسنان، تجهيز مجسات الفرح، تشغيل حاسة التذوق، العيون تضيق، لحظة الصفر تقترب.

هجووووووووووووووووووووووووووووووم...

مشهد مخيف و سريع... تتطاير الأشلاء و القطرات في كل مكان... لا أحد يجرؤ على التدخل لوقف المعركة...

لحظات و دقائق سريعة تمر... أبطالنا الشجعان يجلسون مترنحين بعد إنهاء المهمة.... وجوههم و أجسادهم ملطخة بالمانجا الرائعة... يلعقون أصابعهم في فرح...

مرحلة  التنظيف....
مرحلة بسيطة... لا تفاصيل... لا تعقيدات....
نظرات سريعة متبادلة بين المحاربين الناجين من المعركة... لسان حالهم يقول "لماذا تغسل المانجا في الحمام و البحر أمامك؟"
إنه الحل الأمثل: القفز في البحر. دع البحر يستمتع بآخر قطرات المانجا. شارك البحر عشقك لهذه الفاكهة العجيبة.
الباقي عندكم.

آه كم أعشق المانجا.
هذه التدوينة برعاية قسم الهلوسة في عقلي، حيث المشاعر العشوائية تطغى على الأسلوب الأدبي.

السبت، 22 ديسمبر 2012

أشياء أحبها... بحرف الميم...

(التدوينة رقم 22 في مشروع ال 31 تدوينة)

مصر... (المصريون... النيل...الفلوكة... التفاؤل... البساطة... الفكاهة...)


مانجا... (طعم من عالم آخر... الشكل و اللون... متعة التقطيع... طرق التقطيع... القفز في البحر للاغتسال بعد أكل المانجا...)


منسف... (الطعم... التجمع حول المنسف... الأكل باليد... مسابقات حفر الخنادق و البقاء الأطول)




مجلة ميكي... (ميكي... بندق... بطوط.. عم دهب... مدينة البط... قرش الحظ...)


ملعب كرة المضرب... (متعة الرياضة... التنافس المسلي... القفز فوق الشبكة بعد النصر... الكرات المسددة بإتقان و المتبادلة لمدة طويلة...)



الجمعة، 21 ديسمبر 2012

كنكنة شتوية

(التدوينة رقم 21 في مشروع ال 31 تدوينة)

لدي نظرة متفائلة قد تحرق أعصاب الكثير من كارهي التفاؤل "المفرط" حسب اعتقادهم، أصحاب "الواقعية" المفرطة إلى حد "التشاؤم" حسب اعتقادي.

أنا ببساطة أحب الشتاء و "كنكنته"، أعشق الصيف و "نشاطه"، أهوى النهار و "حيويته"، أسعد بالليل و "راحته".

الشتاء، قطرات المطر الكبيرة، حبات الثلج الناعمة، الملابس الشتوية الثقيلة بألوانها الدافئة، المشروبات الساخنة و رائحتها، الإمساك بالكوب بكلتا اليدين للإحساس بدفئه.

الصيف، الملابس الخفيفة المريحة، الانطلاق و اللعب، السباحة و الضحك، المشروبات الصيفية المنعشة، الشعور بدفء الشمس و أشعتها الذهبية.

بعض الناس يعيش سعيداً في أي وقت و أي مكان.
البعض الآخر يعيش متذمراً، كذلك في أي وقت و أي مكان.

اختر فريقك.
خير الكلام ما قل و دل. كل عام و أنتم بخير.



الخميس، 20 ديسمبر 2012

فضح الخبايا في علم المايا

(التدوينة رقم 20 في مشروع ال 31 تدوينة)

بما أنّ الناس يتناقلون أسطورة تنبؤ المايا بانتهاء العالم غداً، لا ضير من نشر بعض الفضائح الشخصية.

*** بداية القصة الرائعة ***
في صغري، قبل أن يغادر أبي و أمي البيت، كنت أقف عند باب البيت و يحدث الحوار التالي.

ساري: "مامااااااا، باااااااي".
ماما: "باي".

أبي و أمي يمشيان خطوتين خارج باب البيت باتجاه باب العمارة.

ساري: "ماماااااااا، بايبايين" (يعني باي و باي)
ماما: "بايبايين".

أبي و أمي يمشيان بشكل أسرع نحو باب العمارة.

ساري: "ماماااااااا، ثلاث بايبايات."
ماما:" باي".
ساري: "لاااااااااااااااااااااااااااااااا ثلاث بايبايات".
ماما (الصبر جميل) : "ثلاث بايبايات".

أبي و أمي يخرجان بسرعة البرق من العمارة هرباً من الحوار العجيب.
ساري يعود داخل البيت مرتاحاً بعد أن أنهى بروتوكولات الوداع بنجاح رغم التعثر في المرحلة الثالثة من الوداع.
*** نهاية القصة الرائعة ***

إن لم تأتِ نهاية العالم غداً، سيكون لي موقف من المايا، شعباً و حضارةً و علماً و تنبؤاً و ثقافةً و أسطورةً، و لا أدري ما الذي سيحدث إن قابلت أي شخص من عشائر بني مايا.


الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

كرة المضرب: اللعبة الجميلة



(التدوينة رقم 19 في مشروع ال 31 تدوينة)

يمين. شمال. يمين. فوق. شمال. يمين. تصفيق. احتفال. عناق.

قارئي العزيز،
لا تُتعب نفسك في تحليل الجملة السابقة.
هذه الكلمات العشوائية، أو كذلك تبدو لقارئها عند الوهلة الأولى، هي تصوير لحركة رأس الجمهور و هو يشاهد آخر نقطة من مباراة في الرياضة التي سنتحدث عنها اليوم، الكرة الصفراء، كرة المضرب، التنس الأرضي.

يا سلام، كم أحب هذه الرياضة.

قارئي العزيز،
تأمل الصورة أعلاه، تخيل نفسك في هذا الملعب الجميل، ثم اسمع مني عن هذه الرياضة الجميلة.

اسمع مني أولاً عن سر جمال هذه الرياضة.

رياضة يستطيع الناس من جميع الأعمار أن يلعبوها.

لا تعجب إن رأيت طفلاً في الرابعة من عمره يمسك المضرب و يركض به يمنة و يسرة وراء الكرات الصفراء الجميلة، يضربها و هو سعيد ثم ينتظر عودتها إليه، يبدي مظاهر الجدية و هو يلعب، قد يعرق و يمسح عرقه، تماماً كما يفعل الرجال، مثل أبيه، حين يتعبون.

قد ترى الشاب الثلاثيني يلعبها بكل حماس، يضرب الكرة بكل قوته و يراقبها بنظره و هي تنطلق كالنسر إذا حلق على ارتفاع منخفض ثم تنقض على فريسة خفية في ملعب خصمه، يتأهب لعودتها إليه قوية كما أرسلها أو مرتفعة في السماء كالنسر كذلك ثم هاوية من أعلى.

من المشاهد الجميلة التي يمكن أن تراها كذلك مشهد رجلين أو أربع رجال طاعنين في العمر، تجاوزوا الثمانين، يقفون في الملعب الأخضر (أو الرملي) بملابس و أحذية رياضية بيضاء تعكس شباب روحهم، يرسلون الكرات القوية بدقة شديدة إلى بعضهم البعض، دقة اكتسبوها على مدى عمرهم تسمح لهم بتبادل الكرات دون الحاجة إلى الركض لمسافات طويلة. مع الكرات المحكمة التسديد يتبادلون نكات مضحكة و تعليقات تنافسية رائعة. إنها الروح الجميلة التي تخلقها تلك الرياضة البديعة.

لا يوجد من هو كبير على ممارسة هذه اللعبة، لا يوجد من هو صغير على عشق هذه الرياضة.

في هذه الرياضة لا مجال للشجار، لا مجال للاشتباك. قد يغضب اللاعب، قد يتذمر، لكن هذا أقصى ما يمكن أن يفعله. نهاية المباراة فيها سلام أو عناق بين الخصمين.

ثم اسمع مني عن علاقتي الخاصة بها.

كرة المضرب هي الرياضة المعتمدة عند الفرع المصري من أسرتي.

اعتدت على مدى سني عمري أن أجلس مع أسرتي عند منطقة ملاعب كرة المضرب في نادي هليوبوليس في القاهرة. نتابع الصواريخ الصفراء، نتناول الغداء، قد يكون أحد أفراد الأسرة في الملعب و قد لا يكون. نشاهد كرة المضرب لجمالها.

أذكر في صغري ذهابي مع أبناء خالتي في مصر إلى النادي ليلاً لأتابعهم و هم يتدربون مع مدرب و مجموعة من الفتيان و الفتيات الصغار على كرة المضرب. ملابس اللعبة بيضاء و جميلة.

كما أذكر في صغري ذهابي مع إخوتي إلى نادي السيارات في الأردن للتدرب كذلك على ذات الرياضة. عندما كبرت، عاودت التدريب مع أخي هاشم لكن في المدينة الرياضية في عمّان، في السادسة صباحاً، قبل ذهابي إلى العمل!

ما زالت جدتي الحبيبة، الحجة نانا، تستعمل مصطلحات كرة المضرب لترمز لأشياء في حياتنا لا علاقة لها بهذه الرياضة. إن أرادت أن تطلب مني تمرير صحن الملوخية لها، تقول: "إدّيني الملوخية على الباك هاند". الباك هاند Backhand لمن لا يعرف هو من أساليب ضرب الكرة في كرة المضرب.

أحب كرة المضرب لما تثيره في نفسي من حنين إلى ماضٍ جميل مع أسرتي، أعشقها لما تحدثه في روحي من انتعاش حين أمارسها، أبتسم حين أتخيل نفسي و أنا أمارسها مستقبلاً.

الرياضة الحقيقية هي التي تنعش الجسد و الروح معاً.

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

جرد حساب لخطي التدويني

(التدوينة رقم 18 في مشروع ال 31 تدوينة)


على الجانب الآخر، فإنني تجنبت على الدوام الكلام في بعض الأمور الأكثر إثارة للخلاف، مثل الأمور السياسية الدائرة حالياً في الأردن و مصر.

هل هو عدم الرغبة في الخوض في جدالات طويلة و ربما عقيمة عند مرحلة معينة؟ هل هو الخوف من أن يثبت أحد أن وجهة نظري خاطئة؟

لا أدري، ربما.

من جهة أخرى، فإنني أميل كثيراً إلى الكتابة الأدبية أكثر من تلك التي تتناول بأسلوب توثيقي الأحداث المعاصرة. لكنني أعرف أن الكاتب لا يجب أن يكون منفصلاً عن واقعه، و أنه يجب أن يعرف متى عليه أن يخرج عن خطه الأدبي ليتناول قضية مهمة لا يجب التجاوز عنها.

موضوع آخر لم أكتب عنه حتى الآن هو المواضيع الدينية. أعتقد أن السبب هو أنني أشعر أن المواضيع الدينية قد تم تناولها بشكل واسع عند الكثير من الكُتّاب، و أنني عندما أقرر أن أتحدث عن موضوع ديني فإنني يجب أن أتناوله بشكل مبتكر كي يترك أثراً عند قارئه و يحرك شيئاً في قلبه.

هذه التدوينة هي بمثابة جرد حساب لخطي الأدبي و التدويني في السابق، للنواقص لدي، لرغباتي الكتابية المستقبلية.

أنا أفكر بصوت عالٍ، و أنتم تقرؤون أفكاري. غريب.

ما أجمل الكتابة! أسلوب رائع للتعبير عن كل مكنونات النفس.

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

جفاف الأفكار Writer's block

(التدوينة رقم 17 في مشروع ال 31 تدوينة)

تحدثت يوم أمس عن كون الفكرة هي أصعب ما يواجه الكاتب الذي يجلس أمام أوراقه أو جهازه ليكتب.

أحببت أن أشير إلى مصطلح هو Writer's block، و هو الحالة التي يمر بها الكاتب و هو يبحث عن الفكرة التي يمكن أن يبدأ بها كتابته، فيجد نفسه عالقاً أمام صفحة بيضاء لمدة طويلة.

فكرت لبعض الوقت في ترجمة قصيرة (كلمتين) مناسبة لهذا المصطلح لكن لم أهتدِ إلى واحدة. أرجو المساعدة. أريد ترجمة توحي أن المشكلة متعلقة بالكاتب بالذات و بمشكلة انقطاع إلهام الكتابة. سأسميه مؤقتاً "جفاف الأفكار" إلى أن أجد ترجمة مناسبة له.


قرأت على الانترنت عن هذا الموضوع و وجدت أن بعض الكتاب المشهورين كانوا يعانون منه.


مثلاً، تنسب هذه الصفحة

http://grammar.about.com/od/yourwriting/a/wblockquotes.htm
إلى ارنست هيمنجواي قوله إن أكثر ما يخاف منه هو "الورقة الفارغة". كما تنسب إلى ستيفن كنج قوله: "أكثر اللحظات رعباً هي دوماً تلك التي تسبق الكتابة. بعد ذلك يمكن للأمور أن تتحسن فقط."

الآن أشعر أنني على الطريق الصحيح.

خير إن شاء الله.


لحظة، بعد المزيد من البحث وجدت كتاباً ينتقدون جفاف الأفكار (Writer's block).

توجد مقولة منسوبة إلى جياندو سيجوراني (اسم جديد عليّ) يقول فيها: "جفاف الأفكار Writer's block هو حجة من لا يكتبون لمجرد الكتابة".

كاتبة أخرى لا أعرفها* اسمها سيريز كوفيلي تقول: "جفاف الأفكار Writer's block غير موجود. قلة الخيال موجودة".

ما يهمني في الموضوع هو أن أتعامل معها على أنها حالة مؤقتة، أن أعرف أن غيري قد مروا بها و تجاوزوها.

قد يشعر القاريء أن في تشبيه ما أمر به بذاك الذي مر به كُتّاب كبار نوع من تضخيم الذات، لكن القصد هو الاعتبار بالحالة و علاجها لا التشبه بالشخص و قدراته.

مرة أخرى، خير إن شاء الله.

* أنا لست صاحب دراية واسعة بأسماء الكتاب المختلفين، لكن يمكنني تمييز بعض الأسماء الشهيرة التي يعرفها أغلب الناس.

الأحد، 16 ديسمبر 2012

كيف يأتي إلهام الكتابة؟

(التدوينة رقم 16 في مشروع ال 31 تدوينة)

تجلس لتكتب، تفرغ رأسك من كل شيء عدا الكتابة، تجهز قلمك و أوراقك، أو لوحة مفاتيحك و شاشتك، تشحذ فكرك و تبدأ.

لا شيء. قحط فكري.

كيف يبدأ الكاتب عملية الكتابة؟ كيف تأتي الشرارة، الفكرة؟

لعل القاريء العزيز يعلم أن أصعب ما في الكتابة هو الفكرة. إن جاءت الفكرة، كل ما بعد ذلك يأتي بشكل تلقائي.

مرة أخرى، كيف تأتي الفكرة؟

ربما من تجارب سابقة مر بها الكاتب؟ كتب قرأها في الماضي؟ قصص تراثية سمعها من جدته؟ مخلوقات فضائية خطفته و أخبرته عن أسرارها؟

ربما من أحداث معاصرة؟ سياسة؟ حروب؟ مشاكل اجتماعية و اقتصادية؟

هل يمكن أن يكون الحل هو أن يبدأ بالكتابة دون أي فكرة كالسائر على غير هدى يتحسس طريقه؟ هل يجب أن يكتب و يكتب و يكتب حتى يجد نفسه دون سابق تخطيط يكتب عن فكرة معينة فيسترسل فيها؟

الأسئلة كثيرة. القاريء في حيرة. الكاتب في حيرة.

هل سينتهي الكاتب إلى كتابة موضوع أو مقالة أو قصة تعجب قارئه؟ الأهم من ذلك، هل ستعجب الكاتب نفسه؟

بعيداً عن الفلسفة و التنظير، كتبتُ هذه التدوينة لأنني مصاب حالياً بقحط فكري و أحتاج إلى نشر تدوينة قبل منتصف الليل.

الساعة الآن 11:58 مساء.

الطبيب يحتاج إلى بعضٍ من دوائه.

السبت، 15 ديسمبر 2012

أربع شخصيات كرتونية أود أن تقابلوها

(التدوينة رقم 15 في مشروع ال 31 تدوينة)

لا بد أن كلاً منا قد مرت عليه العشرات من الشخصيات الكرتونية، المضحك منها و المؤثر، الجميل منها و غريب الشكل. و لا بد أننا قد تأثرنا بشكل أو بآخر ببعض تلك الشخصيات، أو أننا شعرنا أنها تشاركنا بعض صفاتنا، أو على الأقل تمنينا في يوم من الأيام أن نقابلها و نتحدث إليها.

إليكم أربع شخصيات كرتونية تتقاطع مع شخصيتي الرائعة أو مع شكلي الوسيم أو كليهما:


جونزو\استعراض الدمى (Gonzo/ The Muppet show)


و جونزو لمن لا يعرفه هو رمز الغرابة  بكل ما تحمله من معانٍ، بل إن "الغرابة" في حد ذاتها تستغرب منه. كائن أزرق اللون مبحوح الصوت خشنُه، أنفه معقوف، لديه علاقة صداقة قوية مع الدجاجات، و يعمل أحياناً كقنبلة بشرية (أو مخلوقية!) يتم إطلاقها استعراضاً من مدفع. يعجبك في جونزو طيبته الشديدة.

بعض المعجبين (و الكارهين) يشبهونني -شكلاً- بجونزو، و أنا أرى أن الشبه يمتدّ إلى الغرابة في شخصياتنا.

ساهم جونزو في إضحاكي بشدة في طفولتي (و ما يزال). تحية لحبيبي الغريب، الصديق الأزرق أبو الجونزو.


عدنان\عدنان و لينة

عدنان هو المثل الأعلى لكل شاب، قوته الأساسية في قدميه، و بالذات أصابع قدميه.

يعيش حياته حافي القدمين، يستطيع القفز من أعلى قلعة شاهقة الارتفاع حاملاً حبيبته ثم يصل الأرض واقفاً على قدميه، يربط خيطاً بأصبع قدمه ثم يدليه في البحر ليصطاد السمك، و الأهم من هذا كله هو أنه يستطيع أن يتعلق بجناح طائرة بواسطة أقوى سلاح عرفته البشرية. نعم لقد عرفتموه، أصابع قدمه.

فيه من الشهامة و القوة ما ينسيك أحياناً الأشياء العجيبة التي يفعلها بأصابع قدميه.

تحية لرجل المواقف الصعبة و الأصابع الصلبة، عدنان.



بالو\كتاب الأدغال (Baloo\ The Jungle Book)




بالو هو الآخر رمز من رموز الشباب، رمز الكسل اللذيذ و اللامبالاة الممتعة. سمها سموّاً عن صغائر الأمور إن أحببت. لا يحب أن يشغل باله بالأمور التي تشغل بال الآخرين، هو يعتقد أن الحياة موجودة لنستمتع بها، لا لنقلق على كل أمر فيها. و هو محق إلى حد كبير في نظرته المترفعة عن الصغائر.

دب ضخم يمشي في الغابة، يصادق جميع المخلوقات و يعشق الغناء. في قلبه من الطيبة ما يندر أن تجد له مثيلاً.

لكن احذر الحليم إذا غضب، فهو لا يسمح لأحد بالتعدي على أصدقائه.

أصيل أيها الدب القشطة...


تشاودِر Chowder


أقلهم شهرة و أحدثهم ظهوراً، لكنه أيضاً أوسعهم شهية و لا يقل عنهم غرابة. فتى (مخلوق!) صغير أرجواني اللون. يحب الأكل بشدة.
كل شيء عنده مرتبط بالطعام. لذا لا تستغرب حين أخبرك أنه يعمل كمساعد طباخ.

هو كمن سبقه من الشخصيات طيب جداً، فيه بلاهة ممتعة. يقول من الكلام غريبه و مضحكه.

***

تلك نبذة سريعة عن أصدقائي الغريبين، الذين قد لا يكونون غريبين جداً عندما تبدؤون بالتعرف عليهم و ملاحظة نقاط التشابه معهم.

ربما أحبهم لأنهم مضحكون، طيبون و غريبون. ربما لأن الإنسان يحتاج للترفيه عن نفسه و الابتعاد عن مشاغل الحياة لبعض الوقت. لكن الأهم من هذا و ذاك أنهم يتحولون في بعض الأحيان إلى شخصيات حقيقية، أو بالأصح تنتقل صفاتهم إلى أناس أقابلهم في حياتي فتعجبني شهامة الشاب الذي قابلته، أو طيبة المرأة التي تكلمت معها، أو حتى غرابة الأختين الصغيرتين اللتين تعرفت عليهما.

دعوة إلى كل قاريء لهذه المقالة أن يحاول أن يجعل في نفسه روحاً من بعض الشخصيات الكرتونية، بطيبتها و شهامتها و فكاهتها و ترفعها عن صغائر الأمور.

الحياة لا تستحق العبوس، الحياة لا تستحق الهموم، الحياة لا تستحق الجبن.

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

اللغة العربية تنعى حظها

(التدوينة رقم 14 في مشروع ال 31 تدوينة)

الهاجس الذي يراودنا هو ذاته الذي راود آباءنا و آباءهم من قبل: "ما مكانة اللغة العربية في حياتنا؟ لماذا لم تعد تستعمل في كل مجالات الحياة؟ هل هي لغة غير مرنة؟ أيصعب علينا ابتكار و اشتقاق كلمات العربية يمكنها أن تواكب مصطلحات العصر؟"

جوابي البسيط هو ألف لا لكل من يعتقد أنها لغة صعبة المراس، عصية على الاشتقاق، معادية لأمور العصر.

و لعل هذا هو الجواب البديهي الذي يتبادر إلى خاطر معظمنا، لكن يبقى السؤال الذهبي، السؤال الذي يرتقي بأمم و يهوي بأخرى: "كيف نجعل لغتنا ذات دور حقيقي في حياتنا؟"

قد أحاول قدر المستطاع أن أناقش بعض طرق الارتقاء بلغتنا لاحقاً. لكن هذا ليس الهدف من تدوينتي اليوم.

اليوم أعرفكم على ما قاله حافظ إبراهيم "شاعر النيل" على لسان اللغة العربية في قصيدة بعنوان "اللغة العربية تنعى حظها".


اللغة العربية تنعى حظها



رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَنيعَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسيرِجالاً وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةًوَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍوَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌفَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِنيوَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّنيأَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَرْبِ عِزّاً وَمَنعَةًوَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناًفَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَرْبِ ناعِبٌيُنادي بِوَأْدِي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُبِما تَحتَهُ مِن عَثْرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماًيَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُلَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَرْبِ وَالشَرْقُ مُطرِقٌحَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاًمِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسْمَعُ لِلكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةًفَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُإِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرىلُعَابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةًمُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌبَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيْتَ في البِلَىوَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُمَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ

الخميس، 13 ديسمبر 2012

كيف تتسلى مع أسرتك؟


(التدوينة رقم 13 في مشروع ال 31 تدوينة)


كيف تتسلى مع أسرتك؟

- لعب أو مشاهدة كرة السلة أو كرة المضرب (التنس) أو كرة القدم؟
- سكرابل؟
- مونوبولي؟
- بولنج بكرات الجوارب؟
- مصارعة حرة؟

تختلف طرق تسلية الأسر باختلاف أماكن عيشها و طبيعة حياتها و شخصيات أفرادها.

أسرتي تستمتع بلعب الألعاب الجماعية التي عادة ما يعلو الصوت فيها و نتبادل النكات و السخرية البريئة و العنيفة أحياناً.

مثلاً، من الألعاب الرسمية لأسرتنا لعبة السكرابل، و حجم المشاكل التي يمكن أن تنتج من لعبنا السكرابل لا تحصى:
- هذه الكلمة عامية و لا يمكن استعمالها.
- هذه الكلمة اختصار و لا يمكن استعمالها.
- لا يمكنك أن تخترع قوانين على هواك.
- لا تستطيع أن تبدل حروفك و تلعب في نفس الدور.

مونوبولي مثلاً من الألعاب الأخرى التي كنا نلعبها كثيراً في الماضي. الآن نكثر من لعب البيكشينيري Pictionary. المشاكل في البيكشينيري متعلقة عادة بعدم جواز إصدار أصوات أو رسم حروف و رموز أو وجوب رسم الكلمة حتى لو لم تكن تعرف معناها.

نتسلى كثيراً في أسرتنا. قد نتجادل كثيراً كذلك، لكننا نتسلى و نحب بعضنا البعض (أظن!)

كيف تتسلى أنت مع أسرتك؟

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

عن النقاش و آدابه


(التدوينة رقم 12 في مشروع ال 31 تدوينة)

نحن في زمن كثرت فيه الجلسات التي تناقش المواضيع الدينية و السياسية. و قد تختلف طبيعة الجلسة فتكون أحياناً تقليدية يجلس فيها الناس سوية و يشربون القهوة أو الشاي و يتناقشون، و أحياناً أخرى تكون الكترونية يتواصل الناس فيها عبر الانترنت و الرسائل القصيرة.

السؤال هو كيف نتناقش؟ هل نسمع آراء بعضنا البعض و نتقبلها على اختلافنا أو اتفاقنا معها؟ إن اختلفنا هل يعلو صوتنا و نقاطع بعضنا البعض بحيث يغدو النقاش أشبه بصراخ متبادل بين عدة أطراف لا يسمع أي منهم سوى نفسه؟ أم أن الهدوء و الإنصات هما السمتان الغالبتان على الجلسة؟

القدرة على الحوار و احترام الرأي الآخر هي أمر غاية في القيمة. كاتب هذه الكلمات لا يدعي أنه أدرى بأصول الحوار من قارئها، بل يعلم أنه يخطيء في كثير من الأحيان في أسلوب نقاشه.

جمل قصيرة أحببت أن أبدأ بها الحديث عن هذا الموضوع بعد جلسة نقاش محتدمة مع أسرتي شعرتُ فيها أنني لم أتحلّ بآداب النقاش الصحيحة.

سأكتب المزيد عن هذا الموضوع قريباً إن شاء الله.

جملة رائعة منسوبة إلى الإمام الشافعي:
"كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب".

اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه.

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

البطيخ المغموس في تحليل دكتور "سوس"

(التدوينة رقم 11 في مشروع ال 31 تدوينة)

يقال أن بعض العباقرة يصلون إلى درجة يلامسون فيها الجنون، فيصبحون غريبي الأطوار، يقولون ما لا يفهمه الآخرون، و يفعلون ما لا يستسيغه الطبيعيون.

إلا أنه يوجد صنف معاكس لهم، ممن أوغل في الجنون و شرب منه يمنة و يسرة إلى درجة العبقرية، فأصبح يشد الناس إليه بغرابة أطواره و يلقى استحسانهم لعجيب أفعاله و أقواله.

حديثي عن الصنف الثاني، و تحديداً عن شخص اشتُهِر باسم دكتور سوس Dr. Seuss*، و هو كاتب و رسام و شاعر أمريكي أبدع في كتابة قصص الأطفال. رجل كتب الكثير من الكتب، عن الكثير من الموضوعات، فيها كل ما تتمناه إلا المنطق، أم أنها هي المنطق بعينه؟


د. سوس Dr. Seuss

هناك ثلاث جماليات في قصص هذا الرجل. أولاهم في أسلوبه المعتمد على السجع السهل الذي يشعرك أنك تقرأ كلمات أغنية مفرحة وعدم تقيده بأساليب تركيب الجمل التقليدي.

الثانية هي مصطلحاته، حيث أنه لا يتحرج من  اختراع الكلمات و أسماء الكائنات و البلاد دون خوف من منطق يكبحه أو عالِم يصححه. لذا فمن الطبيعي أن تجده يخترع مصطلحات تنسجم مع السجع، بدلاً من أن يضبط سجعه لينسجم مع الكلمات المتوفرة في المعاجم التقليدية.

أما الثالثة و الأخيرة، فهي قدرته العجيبة على رسم تلك المخلوقات بأشكال غريبة و عجيبة، مضحكة و ملونة، بشكل يفوق قدرتك على تخيلها حين تقرأ أسماءها لأول وهلة.

بناء على ما سبق، لا بد من القول أن كتب هذا الرجل هي كابوس للغويين المتمسكين بقواعد الكلام و سلامته، لكنها جنة للأطفال ذوي الخيال غير المحدود. تعديل بسيط: جنة للصغار و الكبار. كم مرة جلستُ مع زوجتي نقرأ أحد كتبه و نضحك. نعم، طفلان كبيران يقرآن لكاتبهما المفضل.

مثلاً، يبدأ كتابه !Happy Birthday To You (عيد ميلاد سعيد) بالفقرة التالية:

I wish we could do what they do in Katroo
They sure know how to say "Happy Birthday to You!"
In Katroo, every year, on the day you were born
They start the day right in the bright early morn
When the Birthday Honk-Honker hikes high up Mt. Zorn
And lets loose a big blast on the big Birthday Horn.
And the voice of the horn calls out loud as it plays:
"Wake Up! For today is your Day of all Days!"
 



غلاف الكتاب
ابتكر كاتبنا و بكل ببساطة مكاناً أو بلداً اسمه "كاترو Katroo"، و شخصاً وظيفته هي Birthday Honk-Honker (النافخ في بوق عيد الميلاد)، و جبلاً اسمه Mt. Zorn (جبل زورن). وضعهم بشكل مسلً و سلس معاً في فقرة و لم ينس أن يرسم تخيله للرجل و البوق و الجبل.

من الواضح طبعاً أن كتب هذا الرجل عصية على الترجمة إلى لغات أخرى، لأن جمالية أسلوبها جاءت بلغتها الأصلية.

كلامي اليوم عن هذا الرجل العجيب و ابداعاته هو انعكاس لبعض ما أرى في كتب الأطفال العربية في يومنا هذا. بعضها يتخذ أسلوباً وعظياً قاتلاً يجف منه كاتبه قبل قارئه، و كلاهما يعرف مدى سقامته. بعضها الآخر مرفق برسومات لا يمكن وصفها سوى أنها الظلم بعينه لروح الطفل و قلبه قبل عقله و فهمه. أنا لست من النوع المحب لجلد الذات، إلا أن الحق يجب أن يقال في هذه النقطة. أمامنا الكثير من التطوير المطلوب على قصص الأطفال العربية. لدينا ثروة أدبية في قصص الأطفال لا تقدر بثمن من كتب كامل الكيلاني و سلاسل "المكتبة الخضراء" و "أولادنا"، لكن لا يعقل أن نتوقف في أدب الأطفال عند أعمال رائعة صدرت قبل عقود طويلة.

أنا لا أدعو بالضرورة لاتباع أسلوب دكتور سوس في اختراع الكلمات و تغيير أسلوب بناء الجمل، فلغة الضاد لغة اشتقاقية مرنة، فيها ما فيها من كلمات و مصطلحات. لكنني كذلك لست ضد أن أقرأ لشخص يحاول أن يحاكي أسلوب دكتور سوس باللغة العربية، فقد تكون النتيجة ممتعة و مشجعة.


أغلفة بعض كتب د. سوس


* اسمه الكامل هو ثيودور سوس جيزيل Theodor Seuss Geisel

الاثنين، 10 ديسمبر 2012

"قصة حبة مانجا من تراب فلسطين" في "القدس العربي"

(التدوينة رقم 10 في مشروع ال 31 تدوينة)

الحمد لله.
تم اليوم نشر "قصة حبة مانجا من تراب فلسطين" في جريدة "القدس العربي" اللندنية.
قامت الجريدة بنشرها في صفحة رقم 17 (منبر القدس).
يمكنكم رؤية صفحة الجريدة عن طريق الضغط هنا.

أنا أعلم أن ما تنشره الجريدة هو في صفحة معنية بمشاركات القراء، بمعنى آخر فإنها ليست شهادة لي بتميز كتابتي. لكن ذلك لا يمنعني من الفرح. كلما نشرتُ أكثر كلما شعرتُ أنّ مشروع ال 31 تدوينة يؤثر علي بشكل أفضل.

السؤال هنا:
- إن كنت تحب الرسم، فلماذا لا ترسم و ترسل لوحاتك إلى معرض؟
- إن كنتِ تحبين الرياضة، فلماذا لا تتطوعين لتدريب الأولاد الصغار لعب رياضة معينة؟
- إن كنت تحب القراءة في الدين، فلماذا لا تضع لنفسك مخططاً لقراءة أهم الكتب التي تؤجل قراءتها من زمن؟

بدأت أشعر الآن بمدى الخسارة المترتبة على من يتقن أو يهوى أمراً ما لكنه يقصر في ممارسته.

و الآن و أنا أكتب هذه التدوينة، أدركت مرة أخرى أنني أحب الكتابة و أعشق القراءة و أتمنى لو كانت حياتي و عملي في المستقبل القريب متمحورين حولهما.

هل يحق لنا أن نحلم؟ أن نأمل؟ أن نعمل لتحقيق ما نرغب؟

لا شك.

الحمد لله.