الفرحة أشكال، ولتلك الأشكال أزمان، وفي تلك الأزمان أحوال، ولتلك الأحوال أقوال، ولكل تلك الأشكال والأزمان والأحوال والأقوال شرط واحد.
أما الأشكال ففرحة ظاهرة تنعكس من قلبك نوراً على وجهك فيراها الناس بأعينهم، وفرحة باطنة تنعكس من قلبك ضياءً في عينيك ووهجاً على وجنتيك فيشعر الناس بدفئها.
وأما الأزمان فلعلها فرحة تأتي مع ساعات الصباح الأولى لحظة خروج الشمس ببطء مهيب من مخبئها واستقرار الندى بخفة مبهرة على أوراقه وسعي الكائنات بنغم عجيب إلى أرزاقها، وتلك فرحة شابة نشيطة تأتي من الخلف فتدفعك دفعاً مشجعة إياك، ثم تقفز أمامك فتمسكك من يدك و تركض ضاحكة ساحبة إياك معها. وأما الزمن الآخر ففرحة حكيمة مريحة تقابلك مغتبطة في نهاية يومك وتدخلك إلى بيتك فتمسح عن قلبك ما علق به من هموم ذاك اليوم، وتزيل عن جسدك ما بقي من متاعب ذات اليوم.
ثم أتحدث عن الأحوال التي تأتيك فيها الفرحة، وهي إما حال حزن ويأس وقنوت وعجز، فحينئذ إن زارت قلبَك الفرحةُ أضاءت مكاناً مظلماً وصيرته عامراً بعد أن كان خرباً. وأما الحال الثاني فهي حال رضىً وسعادة ونشاط وأمل، فإن حلت فرحة في تلك الحال ضيفة على فرحة قلبك المقيمة استقوت كل منهما بأختها، فتجعلانك ترى الدنيا لا تكاد تسعك وترى المخلوقات لا تكاد تدركك.
وبعد الأحوال أعاين الأقوال، فإن كانت حالك فرحة وليدة بعد حزن أتعبك، فأعمِل روحك وقلبك ولسانك بشكر الله الذي وعد فأوفى حين قال "فإن مع العسر يسراً". وإن كانت حالك فرحة حديثة مستقوية بأخرى قديمة فأشغل روحك وقلبك ولسانك ب "ولسوف يعطيك ربك فترضى".
ولكل ما ذكرت شرط واحد لا تتحقق تمام التحقق دونه، تسليم روحك وقلبك وعقلك وجسدك إلى ربك.