StatCounter

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

محاولة أولى لدراسة الفرحة وأشكالها وأزمانها وأحوالها وأقوالها

الفرحة أشكال، ولتلك الأشكال أزمان، وفي تلك الأزمان أحوال، ولتلك الأحوال أقوال، ولكل تلك الأشكال والأزمان والأحوال والأقوال شرط واحد.

أما الأشكال ففرحة ظاهرة تنعكس من قلبك نوراً على وجهك فيراها الناس بأعينهم، وفرحة باطنة تنعكس من قلبك ضياءً في عينيك ووهجاً على وجنتيك فيشعر الناس بدفئها.

وأما الأزمان فلعلها فرحة تأتي مع ساعات الصباح الأولى لحظة خروج الشمس ببطء مهيب من مخبئها واستقرار الندى بخفة مبهرة على أوراقه وسعي الكائنات بنغم عجيب إلى أرزاقها، وتلك فرحة شابة نشيطة تأتي من الخلف فتدفعك دفعاً مشجعة إياك، ثم تقفز أمامك فتمسكك من يدك و تركض ضاحكة ساحبة إياك معها. وأما الزمن الآخر ففرحة حكيمة مريحة تقابلك مغتبطة في نهاية يومك وتدخلك إلى بيتك فتمسح عن قلبك ما علق به من هموم ذاك اليوم، وتزيل عن جسدك ما بقي من متاعب ذات اليوم.

ثم أتحدث عن الأحوال التي تأتيك فيها الفرحة، وهي إما حال حزن ويأس وقنوت وعجز، فحينئذ إن زارت قلبَك الفرحةُ أضاءت مكاناً مظلماً وصيرته عامراً بعد أن كان خرباً. وأما الحال الثاني فهي حال رضىً وسعادة ونشاط وأمل، فإن حلت فرحة في تلك الحال ضيفة على فرحة قلبك المقيمة استقوت كل منهما بأختها، فتجعلانك ترى الدنيا لا تكاد تسعك وترى المخلوقات لا تكاد تدركك.

وبعد الأحوال أعاين الأقوال، فإن كانت حالك فرحة وليدة بعد حزن أتعبك، فأعمِل روحك وقلبك ولسانك بشكر الله الذي وعد فأوفى حين قال "فإن مع العسر يسراً". وإن كانت حالك فرحة حديثة مستقوية بأخرى قديمة فأشغل روحك وقلبك ولسانك ب "ولسوف يعطيك ربك فترضى".

ولكل ما ذكرت شرط واحد لا تتحقق تمام التحقق دونه، تسليم روحك وقلبك وعقلك وجسدك إلى ربك.

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

قصص الحياة وأثرها على روحك وقلبك وابتسامتك

في حياة كل من مشى بقدمين على وجه الأرض مجموعة لطيفة من القصص والذكريات التي يستخرجها كبيراً متقوياً بها على المواقف الصعبة، أو مستأنساً بها في المناسبات اللطيفة.

منها تلك القصص التي كانت في طفولته زاخرة بالخطوات القصيرة المسرعة والضحكات السعيدة المتتابعة والألعاب الغريبة المبتكرة، والركض ببهجة، تارة خلف الأصدقاء وتارة أخرى منهم. فإذا تذكرها كبيراً ارتسمت ابتسامة مشتاقة على وجهه، أعقبتها نظرة حالمة في عينيه الناظرتين إلى أعلى، بينما يشبك يديه وراء رأسه متخيلاً تلك القصص ومسترسلاً فيها.

قصص أخرى كانت دروساً غالية تعلمها في شبابه بعد أن مر بتجارب مؤلمة أو متعبة أو محزنة أو مزيج من تلك الثلاثة. فإن تذكرها كبيراً حمد الله أن صبّره على تلك الدروس، ثم شكره على ما جناه بعدها من العِبَر. و ما إن ينهي تذكره وينهمك بحمد الله وشكره، حتى ينظر إلى ابنه حديث العهد بالحياة، قليل المعرفة بدروبها، فيطرق بخاطره داعياً الله أن يجعل دروس ابنه أقل صعوبة، وأن يجعل ما يأخذه من عِبَر أكثر نجاعة.

ثم تجد بعدها ذاك الصنف الثالث من القصص التي شهدها شاباً أو شيخاً كبيراً، تلك القصص التي لم تكن فرحاً وضحكاً أو ألماً واعتباراً بقدر ما كانت انتقالاً من عالم البشر بما فيه من أثقال على الروح، إلى عالم آخر يبث في الروح ما لا يستطيع بثه الأول من سكينة وعذوبة. سكينة تمحو أي أمر بسيط كان يحسبه المرء ألماً عاناه في حياته، وعذوبة تنسيه أي شيءِ سخيف كان يتوهمه ذات المرء من مُتع ذات الحياة. خذ مثلاً ذكرى ترقرق العينين بالدموع الصامتة لحظة إبصارها الكعبة المشرفة لأول مرة، أو ترقرق القلب بالمشاعر الصادقة لحظة ملامسة الجبين الساجد لله وجه الأرض بعد طول غياب، أو ترقرق الروح في لحظات صافية إثر استجابة الله لمناجاة وُلِدت من رَحِم ظلمات ثلاث، قلب مظلم ملأه اليأس في غرفة مظلمة ملأها الفقر في ليلة مظلمة ملأها الخوف، مناجاة لم يدرك وجودها سوى قائلها وخالق قائلها.

قصص كثيرة، عشناها صغاراً ثم نعيش بها كباراً.

الخميس، 17 يوليو 2014

عن فتاة غزة وابتسامتها وعينيها وجوربيها

الكلام الشاعري أجمل ما يكون في الأماكن الخلابة، عن الناس الحالمة.

مشت تنظر إلى الأعلى صوب السماء، بابتسامة صغيرة ممتدة بين خديها الصغيرين، بعينين منحنيتين كقوسي قزح لطيفين يأخذان مكانهما تحت تلك السماء الواسعة، تقفز قفزات صغيرة واثقة يهتز مع كل قفزة منها جورباها الصغيران المتشبثان بالكاد بهاتين الساقين النحيلتين السمراوين. أما قفزاتها الرشيقة رشاقة الفراشات فمن حجر صغير غير منتظم الشكل إلى آخر وسط ركام بيتها الذي باتت تحفظه جيداً، كما كانت تحفظ ذات البيت قبل أن يغدو ركاماً. ولعلها بين القفزة وتلك التي تليها توميء بهذه القدم أو بأختها بعيداً عن زهرة أو اثنتين نبتتا بين الركام في ذات المكان الذي كانت تستلقي فيه على ظهرها قبل أيام تلعب بألعابها في غرفتها المربعة، ألعابها التي أصبحت والتراب صنوين مذ جمع بينهما حجر كبير أصم سقط من سقف الغرفة المربعة.

ولعلها بين قفزاتها و إيماءات قدميها، قبل الابتسامة الساحرة أو أثناء النظرة الحالمة تنظر صوب الشاطيء فتدمع عيناها بذكرى أولئك الذين لم يتجاوزوها طولاً ولم يفوقوها عمراً، أولئك الذين كان آخر عهدهم بدنياها ركضاً ولعباً، فضحكاً ومرحاً، ثم ركضاً مرة أخرى وهلعاً، فقتلاً وسكوناً.

لكنها تدرك، وجلُّ إدراك من في عمرها وليد الفطرة، تدرك أنَّ البلاد إن سُرقت فإنما تسرق لضعف صاحبها أو لتجبّر سارقها أو لخيانة ثالث يقف ظاهراً مع الصاحب وباطناً مع السارق، لكنها تبقى سرقة ولا تُسمّى إلا "سرقة". تدرك أن أولاد السارقين لن تدمع عيونهم شوقاً إلى تلك الأرض حين يسافرون بعيداً عنها، فهي ليست سوى غنيمة غنموها كما يغنم اللص الوضيع نقوداً من متجر بسيط. لكن أهل البلاد وإن أُبعدوا عنها سنين يبكون شوقاً إليها، لكن أهل البلاد وإن وقعوا على أرضها مذبوحين لم يرضوا بديلاً عنها، لكن أهل البلاد وإن أضحوا فيها مذلولين فسيمسون أعزّة .

مازالت تنظر إلى الأعلى وهي تدرك أن ابتسامتها ستبقى هي هي، ستبقى وهي تأمل متيقنة عودة البلاد، وستبقى حين تبكي فرحة بعودتها. في هذه اللحظة بالذات، ازدادت الابتسامة اتساعاً، وازدادت العينان تقوساً، وازداد الجوربان اهتزازاً.