انتهى أخيرا جدال عنيف... بيني و بين.. نفسي
كنت أريد أن أكتب عن موضوع يمسّ حياتنا العامّة
و أبت نفسي الا أن أكتب عن ذكرياتي الخاصة
انتهى الجدال بانصياعي لنفسي و البسمة مرتسمة على وجهي لمعرفتي أنني كنت أعارض شيئا أريده.. بل و أنتظره بكل شوق
_________________________________
هناك ذكريات تعلق في مخيّلة صاحبها لمكان حدوثها... فتترجمها ريشته الى لوحة زيتية تسحرالألباب
و هناك ذكريات أخرى تعلق لشخوصها و أحداثها... فيترجمها قلب و لسان صاحبها الى قصيدة بديعة تترقرق العين لسماعها
فماذا يفعل أمثالي ممّن اجتمع لديهم المكان و الشخوص و الأحداث... لكنّهم لم يجدوا ريشة تسعفهم.. و لا لسانا شاعرا يساعدهم؟
_________________________________
فايد... هي المكان... هي الزمان... و هي الشخوص
مدينة (أو بالأصّح قرية) ساحليّة صغيرة تقع على ضفاف البحيرات المرّة التي تصل طرفي قناة السويس ببعضهما... و اللذان يصلان البحرين الأبيض و الأحمر بدورهما...على بعد 125 كم شمال شرق القاهرة
منذ عشرات السنين و هي الملتقى لأسرتنا في مصر... المتنفّس لهم من زحام و ضوضاء القاهرة
ما زلت أذكر اجتماع الأقارب من كبار و صغار في ليل فايد... جلساتنا أمام بيتنا الّذي تفصله أمتار قليلة عن البحر... صوت الموج و رائحة البحر... ملايين النجوم المتلألئة في السماء الصافية... تسامرنا في ساعات الليل المتأخرة متناسين هموم الحياة و مشاغلها.. صوت "صرصار الغيط" الذي لم ننجح يوما في الامساك به... أو حتى رؤيته
ما زالت ابتسامة شوق ترتسم على قلبي كلّما تذكّرت استيقاظنا فجرا في فايد... نصلّي الفجر... ثمّ نجلس لتناول الافطار أمام البحر. افطارنا هو "الفطير المشلتت مع العسل" ... المشهد أمامنا بحر هاديء لم يستيقظ بعد... قوارب الصيادين منتشرة هنا و هناك... رجال يتوجّهون لربّهم طالبين الرزق منذ ساعات الفجر الأولى... و الأجمل من هذا كلّه، رؤية أسرتي حولي... يا اللّه ما أعظم نعمك
حسبي ذكري ومضة من ومضات فايد اليوم... ف"فايد" لن تكفيها صفحة أو صفحتان أو حتى مائة... فمن العيب مجرد محاولة اختزال ذكريات العمر في كلمات صمّاء قد لا تترك أثرا عند قارئها... و قد أعود لاحقا لأطلق ومضة أخرى من قلبي عن فايد أو أي مكان آخر عزيز عليّ في الأردن أو مصر
هذه ليست دعوة لأي شخص أن يتأثّر بذكرياتي الّتي لم يعشها... فهي لي و ليست لغيري... لكنّها دعوة لكل شخص أن يتذكّر مكانا عزيزا عليه يلجأ اليه كلما شعر بالحاجة الى "دعم معنوي"... فالرسول -صلّى اللّه عليه و سلّم- احتفى باحدى السّيّدات العجائز و فرش لها عباءته و جلس يحدّثها .. و حين انصرفت سألته السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن هذه السيّدة... فقال :" إنها كانت تزورنا أيام خديجة"... لذا فمن الطبيعي أن يحتاج المرء لتذكّر الأيّام الجميلة
لم يبق لي الّا أن أرفق صورة التقطتها العام الماضي من شرفة بيتنا لفجر فايد ال... ال... الرائع.....
و السلام
و السلام