StatCounter

الخميس، 17 يوليو 2014

عن فتاة غزة وابتسامتها وعينيها وجوربيها

الكلام الشاعري أجمل ما يكون في الأماكن الخلابة، عن الناس الحالمة.

مشت تنظر إلى الأعلى صوب السماء، بابتسامة صغيرة ممتدة بين خديها الصغيرين، بعينين منحنيتين كقوسي قزح لطيفين يأخذان مكانهما تحت تلك السماء الواسعة، تقفز قفزات صغيرة واثقة يهتز مع كل قفزة منها جورباها الصغيران المتشبثان بالكاد بهاتين الساقين النحيلتين السمراوين. أما قفزاتها الرشيقة رشاقة الفراشات فمن حجر صغير غير منتظم الشكل إلى آخر وسط ركام بيتها الذي باتت تحفظه جيداً، كما كانت تحفظ ذات البيت قبل أن يغدو ركاماً. ولعلها بين القفزة وتلك التي تليها توميء بهذه القدم أو بأختها بعيداً عن زهرة أو اثنتين نبتتا بين الركام في ذات المكان الذي كانت تستلقي فيه على ظهرها قبل أيام تلعب بألعابها في غرفتها المربعة، ألعابها التي أصبحت والتراب صنوين مذ جمع بينهما حجر كبير أصم سقط من سقف الغرفة المربعة.

ولعلها بين قفزاتها و إيماءات قدميها، قبل الابتسامة الساحرة أو أثناء النظرة الحالمة تنظر صوب الشاطيء فتدمع عيناها بذكرى أولئك الذين لم يتجاوزوها طولاً ولم يفوقوها عمراً، أولئك الذين كان آخر عهدهم بدنياها ركضاً ولعباً، فضحكاً ومرحاً، ثم ركضاً مرة أخرى وهلعاً، فقتلاً وسكوناً.

لكنها تدرك، وجلُّ إدراك من في عمرها وليد الفطرة، تدرك أنَّ البلاد إن سُرقت فإنما تسرق لضعف صاحبها أو لتجبّر سارقها أو لخيانة ثالث يقف ظاهراً مع الصاحب وباطناً مع السارق، لكنها تبقى سرقة ولا تُسمّى إلا "سرقة". تدرك أن أولاد السارقين لن تدمع عيونهم شوقاً إلى تلك الأرض حين يسافرون بعيداً عنها، فهي ليست سوى غنيمة غنموها كما يغنم اللص الوضيع نقوداً من متجر بسيط. لكن أهل البلاد وإن أُبعدوا عنها سنين يبكون شوقاً إليها، لكن أهل البلاد وإن وقعوا على أرضها مذبوحين لم يرضوا بديلاً عنها، لكن أهل البلاد وإن أضحوا فيها مذلولين فسيمسون أعزّة .

مازالت تنظر إلى الأعلى وهي تدرك أن ابتسامتها ستبقى هي هي، ستبقى وهي تأمل متيقنة عودة البلاد، وستبقى حين تبكي فرحة بعودتها. في هذه اللحظة بالذات، ازدادت الابتسامة اتساعاً، وازدادت العينان تقوساً، وازداد الجوربان اهتزازاً.