في حياة كل من مشى بقدمين على وجه الأرض مجموعة لطيفة من القصص والذكريات التي يستخرجها كبيراً متقوياً بها على المواقف الصعبة، أو مستأنساً بها في المناسبات اللطيفة.
منها تلك القصص التي كانت في طفولته زاخرة بالخطوات القصيرة المسرعة والضحكات السعيدة المتتابعة والألعاب الغريبة المبتكرة، والركض ببهجة، تارة خلف الأصدقاء وتارة أخرى منهم. فإذا تذكرها كبيراً ارتسمت ابتسامة مشتاقة على وجهه، أعقبتها نظرة حالمة في عينيه الناظرتين إلى أعلى، بينما يشبك يديه وراء رأسه متخيلاً تلك القصص ومسترسلاً فيها.
قصص أخرى كانت دروساً غالية تعلمها في شبابه بعد أن مر بتجارب مؤلمة أو متعبة أو محزنة أو مزيج من تلك الثلاثة. فإن تذكرها كبيراً حمد الله أن صبّره على تلك الدروس، ثم شكره على ما جناه بعدها من العِبَر. و ما إن ينهي تذكره وينهمك بحمد الله وشكره، حتى ينظر إلى ابنه حديث العهد بالحياة، قليل المعرفة بدروبها، فيطرق بخاطره داعياً الله أن يجعل دروس ابنه أقل صعوبة، وأن يجعل ما يأخذه من عِبَر أكثر نجاعة.
ثم تجد بعدها ذاك الصنف الثالث من القصص التي شهدها شاباً أو شيخاً كبيراً، تلك القصص التي لم تكن فرحاً وضحكاً أو ألماً واعتباراً بقدر ما كانت انتقالاً من عالم البشر بما فيه من أثقال على الروح، إلى عالم آخر يبث في الروح ما لا يستطيع بثه الأول من سكينة وعذوبة. سكينة تمحو أي أمر بسيط كان يحسبه المرء ألماً عاناه في حياته، وعذوبة تنسيه أي شيءِ سخيف كان يتوهمه ذات المرء من مُتع ذات الحياة. خذ مثلاً ذكرى ترقرق العينين بالدموع الصامتة لحظة إبصارها الكعبة المشرفة لأول مرة، أو ترقرق القلب بالمشاعر الصادقة لحظة ملامسة الجبين الساجد لله وجه الأرض بعد طول غياب، أو ترقرق الروح في لحظات صافية إثر استجابة الله لمناجاة وُلِدت من رَحِم ظلمات ثلاث، قلب مظلم ملأه اليأس في غرفة مظلمة ملأها الفقر في ليلة مظلمة ملأها الخوف، مناجاة لم يدرك وجودها سوى قائلها وخالق قائلها.
قصص كثيرة، عشناها صغاراً ثم نعيش بها كباراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق