StatCounter

الجمعة، 20 يناير 2012

المواجهة


* تم نشر مقالتي في جريدة "الغد" الأردنية يوم السبت 27-3-2010

يقولون أن داخل كل انسان بالغ يقبع... لا بل قل يلعب طفل صغير.
لا أدري مدى صحة هذه المقولة، لكنّ ما يهمني الآن هو الموقف الخطير الذي أراه أمامي.
أراقب الأمور بحذر شديد، و أتوقع تفجر الموقف في أي دقيقة، أي لحظة.
أهي النهاية؟ هل أنا الشاهد الوحيد على جريمة قتل توشك على الوقوع؟ ماذا عساي أن أفعل لأمنع الجريمة؟ و إن وقعت، هل أخبر أي شخص عنها؟ أم أن من مات قد مات و سلامتي هي الأولى؟
أسئلة كثيرة تتزاحم في رأسي، يهرول كل منها ليقف أمام الآخر، لعله يحظى بشرف الإجابة الأولى. أما أنا، فأضرب تلك الأسئلة ضربة واحدة تخرجها من رأسي إلى الأبد.
هل قلت إلى الأبد؟ تعود الأسئلة جماعةً كما أخرجتها جماعةً، و كيف لا تعود و أنا أرى الشرر يتطاير من عيون الرجلين المتواجهين أمامي، مواجهة توشي أن كلاهما يعلم أن أحدهما سيخرج ماشياً، أما الآخر فسيخرج محمولاً.

أحبس أنفاسي و أنا أنظر الى الرجل الأول يتقدم حاملاً سيفاً عظيماً متعطشاً لطعم الدم الدافيء، و لسان حال السيف يقول: "أنا المهند الصارم... أنا الصمصام الباتر... أنا الحسام الماضي... كل أسماء السيف لي أنا فقط و ليست لأحد غيري."
أغمض عينيّ لوهلة متخيلاً ما قد يفعله ذاك السيف العظيم إن لاقى رقبة خصم حامله.

أحرك رأسي الى اليسار ثم أفتح عينيّ ببطء لأرى مشهداً لا يقل رهبة: رأس عملاق، يدان عملاقتان، قدمان عملاقتان، أسنان عملاقة، جسم عملاق يحمل كل هذه الأشياء العملاقة. يتقدم هذا العملاق حاملاً فوق رأسه بكل ما أوتي من قوة صخرة عملاقة لا أشك أنها قطعت من جبل عملاق، و لسان حال الصخرة يصيح متوعداً: "أنا الأرض أنا الجبال... وقوعي عليك أيها المسكين يجلب الدمار..."
أحبس أنفاسي المسكينة مرة أخرى، أتبعها باغماض عينيّ الخائفتين مرة أخرى كذلك. أتخيل ما قد تفعله تلك الصخرة العملاقة إن وقعت على رأس خصم حاملها العملاق.

ما زالت الأسئلة تركض في رأسي بين متقدم للصف ينتظر أولى الاجابات، و متأخر يخشى سماع إجابته.
لماذا يكرهان بعضهما إلى درجة أن يريد كلاهما قتل الآخر؟ أمن سبب؟ أم هي شهوة القتل لمجرد القتل؟
ما الذي سيحدث إن انتبه الرجلان إلى وجودي؟ أسيتفقان على مهاجمتي بعد أن كانا متخاصمين؟

كلما ظهر سؤال جديد تقدم أحد الرجلين خطوة نحو الآخر، حتى لم يعد بينهما سوى خطوة واحدة، و لم يبقَ في رأسي متسع سوى لسؤال واحد.
أخيراً، ظهر السؤال الأخير:
"ما الذي سيحدث الآن؟"

بدأ كلا الرجلين يخطو الخطوة الأخيرة،  ثم فجأة، و دون سابق انذار، سمعت صوتاً عالياً جمدني أنا و الرجلين و السيف و الصخرة و الأسئلة و الدماء و الأنفاس و الشرر.

"زوجي الحبيب، طعام الغداء جاهز."

أمسكت اللعبتين و وضعتهما في صندوق ألعابي، ثم هرولت مع قفزات صغيرة و ابتسامة عريضة إلى غرفة الطعام.

هناك 18 تعليقًا:

حسن غنـّام يقول...

قهقهت من أعماق أعماقي جزاك الله خيراً فكنت بحاجة إلى شيء يرسم الإبتسامة على شفاهي فأقوم للنوم على هذه الحالة ... يا صديقي حافظ على هذه العادة فستحتاجها عندما تلاعب أبنائك ... والأهم ستحتاجها لتزيح عن كاهلك عبء هذه الحياة التي تغدو أثقل فأثقل مع إشراقة كل يوم ...

محمد حمدان يقول...

عفريت من يومك...

بلال القادري يقول...

تلك قصة تشبهك تماما، و لأنها كذلك فهي قريبة سهلة مشوقة، تجبرك على إتمامها، حيث تخرج ضحكة أو ابتسامة القارئ مباشرة مع آخر حروفها. كل التحية ساري

Sohaib Thiab يقول...

هههههه, جميلة جدآ صديقي ساري ما توقعت هذه النهاية أبدآ

غير معرف يقول...

جميلة يا ساري. المنطق يأخذك من أ إلى ب ولكن الخيال يأخذك إلى كل مكان. الحدود موجودة فقط في الدماغ ، لو اعتمدنا على خيالنا لوصلنا إلى كل مكان...أغلق عيناي لكي أرى، وأحيانا الاسئلة أهم من الإجابات...ماهر الدباس

غير معرف يقول...

Sary ... I have an idea dor your next article.
u should call it
"Magada al-roomi, deek roomi and gibna roomi: unravelling the secret conncection"
I have no idea what it's going to be about but that's ur job to
figure out
sahib al-thill al-tawil

ساري يقول...

حسن:
أنا سعيد أن مقالتي أسعدتك. أرجو أن تكون سعيداً على الدوام.

حمدان:
تعليمك.

بلال:
شكراً يا صديقي. كلماتك تسعدني.

صهيب:
فاجأتك؟ جميل، هذا هو الهدف.


صاحب الظل الطويل:
أضحكتني. على فكرة، احدى التدوينات التي أفكر بكتابتها مستقبلاً هي رسالة إلى صاحب الظل الطويل.

أحمد الأسد يقول...

كل ما بقرأها بضحك عشان بتخيل شكلك قد الثور وبتنط بقفزات ديناصورية قصيرة الى الأكل :)

وسام يقول...

أخي ساري ، قدّر لي الله ان أشارك أخيك احمد بضعاً من سنوات الطفولة أو المراهقة عندما احتضنني جبل اللويبدة ليكون مرتعاً لأحلامي وعندما كانت تراسانطة هي ملهمتي.... رغم انني لم التقيك وجهاً لوجه الا انني أشعر أنني اعرفك منذ زمن ...... اخي ساري ... قال الامام الشافعي يوماً صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالماً والقول فيك جميل .... و ها أنا اراك ومن خلال ما تكتب بأنك قد صنت نفسك وحملّتها على ما يزينها فطب يا ساري بسلامة العيش وبحلاوة ما تكتب وما تنطق . بارك الله بك ، اتمنى ان يتيح لنا القدر اللقاء يوماً .... سلاماتي لأخيك احمد .....ونراك وأنت سالم وغانم . أخوك وسام قاقيش

Dev,Heba يقول...

طريفةٌ كفرحِ طفلٍ بلعبته الجديدة :)
شكرا لك ساري.

بيلسان يقول...

جميلة جدا :)

غير معرف يقول...

ماشاء الله جميله وصادقه

منيب عرابي يقول...

أذكرها ... أحسنت يا ساري

ساري يقول...

أحمد الأسد:
شكراً لدعمك يا مدير أعمالي.

وسام:
كلامك الجميل أثلج صدري. أرجو أن نكون جميعاً ممن يصونون أنفسهم و يحملونها على ما يزينها.
رحم الله الإمام الشافعي ما أطيب كلامه و ما أقربه إلى القلب.

هبة:
شكراً لكِ.

بيلسان:
شكراً.

غير معرف anonymous:
شكراً لك. هل أعرفك؟

منيب:
شهادتك مهمة لي. شكراً يا صديقي. أسعدنا بكتاباتك الجميلة أنت أيضاً.

غير معرف يقول...

u just made my day LOOOOOL

very interesting ending and really good choice of words mashalla:)

ساري يقول...

غير معرف anonymous:
شكراً. أحس بسعادة عندما يبتسم شخص و يحس بالسعادة بعد أن يقرأ شيئاً كتبته.
هل أعرفك؟

غير معرف يقول...

I have another article idea
al-thalam al-damis....wal fool al midammis
just wanted to say that sahib al-thil al-tawil feels really freaked out when he (or she...mwahahhahaha) sends messages to other people and they dont freak out
mwahahhahahah

ساري يقول...

غير معرف anonymous (صاحب الظل الطويل):
يمكن أن أكتب مقالة اسمها "صاحب الظل الثقيل" يا خفيف :)