StatCounter

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

قصة حبة مانجا من تراب فلسطين


(التدوينة رقم 4 في مشروع ال 31 تدوينة)

نُشرت يوم الإثنين 10 كانون الأول 2012 في جريدة القدس العربي صفحة 17 (منبر القدس)

أقص عليكم قصة حبة مانجا من تراب فلسطين* كما روتها لي في مخيلتي:

أرجوك أن تجلس و تسمع شكواي، ثم انظر ماذا عساك تفعل.

ولدتُ في تربة طينية عزيزة، تربة شريفة كما أخبرني جدي. ما زلت أذكر قوله لي بذرةً صغيرةً: "تغذي يا صغيرتي من هذه التربة، فهي تربة أكناف بيت المقدس". رحمك الله يا جدي كم كنت حريصاً على جعلي أعتز بأرض ميلادي. أخبرني جدي أن أصحاب الأرض التي ولدتُ فيها اسمهم الفلسطينيون، أخبرني أن رجالهم فيهم كل معاني الشرف و الرجولة و أن نساءهم فيهن كل معاني الحسن و العفة. كما أخبرني أن أقواماً آخرين قد جاؤوا من أراضٍ شتى يدعون أن هذه الأرض هي أرضهم و ما هي بأرضهم، و أنهم أخرجوا رجال و نساء فلسطين منها.

مرت الأيام و رأيتُني أكبر و أخرج فوق الأرض لأرى ضوء شمس الدنيا تنير أرض فلسطين، و سرعان ما تخاطفتني الأيدي بين يد قاطفة و أخرى مخزِّنة و ثالثة شاحنة، لكن قسمات الوجوه التي رأيت لا تشبه قسمات وجوه أهل فلسطين التي أخبرني سمعت عنها جدي. وجدتني ملقاة مع أخواتي في صندوق عليه كلام ليس من لغة أهل فلسطين، و وجدت ملصقاً يوضع عليً يقول: "إنتاج إسرائيل"، و هذا كذب و افتراء. أتُلصقُ كذبة على وجهي و أنا عاجزة عن الرد عليها؟

مرت أيام أخرى و تم شحني إلى أرض مجاورة يسمونها الأردن. حينها زالت كل همومي، فأنا أعرف أن أهل هذا البلد لن يشتروني طالما قرؤوا أنني "إنتاج إسرائيل"، فهم لن يكافئوا مغتصب الأرض بدفع نقود لا يستحقها مقابل فاكهة لا يملكها نبتت في أرض لا يملكها. وضعوني في ساحة مسجد، في آخر جمعة من رمضان. هنا زال آخر همومي، فهؤلاء المصلون سيغضبون حين يرون فاكهة مغتصبة تباع لصالح مغتصبها في شهر مبارك في مكان مبارك. جلست سعيدة و أنا أعلم أنني سأكون بضاعة كاسدة، و يا لشرف تلك البضاعة الكاسدة، و يا لشرف ذاك الشعب المسبب لكسادها!

جاء شخص يتفحصني و يسأل عن سعري. أراه يقلبني بين يديه و يقرأ أنني "إنتاج إسرائيل"، لكنه لم يبالِ! جاء آخران و جعلا يفعلان كما فعل. جاء الكثير من الناس، البعض اعترض و أخذ يجادل البائع، أما البعض الآخر فاشترى. أسمع المشترين يقولون جملاً متفرقة متكررة كأنها دروس محفوظة:
"لو أن بضاعتنا بمثل جودة بضاعة إسرائيل لاشترينا منها."
"يا أخي هذه الفاكهة من الضفة. اشترِ و لا تخف."
"وهل ستحل قضية فلسطين عن طريق مقاطعة الفاكهة؟"
"ما ذنب البائع كي تقاطع بضاعته و تقطع رزقه؟ "

ألا يعلم هذا أنه حين يمسكني فقد أمسك شيئاً خارجاً من تراب فلسطين، بل منتزعاً منه دون أي حق؟ ألا يعلم ذاك أنه حين يشتريني فهو يصرح ضمناً بسكوته أن طراوة و حلاوة قطعة فاكهة هي أغلى عنده من وقفة حق يقفها من باب "أضعف الإيمان" ليرفض اغتصاب خير فلسطين؟

رحمك الله يا جدي. لو تعلم أن ابنة تراب أكناف بيت المقدس قد بيعت بعد اغتصابها لرجل يصلي أول اليوم، و يجلس آخره يلعن المحتل على شاشات التلفاز لبكيت كثيراً، و ما بين صلاة و لعن يأكل حق أهل فلسطين في أرضهم و يدفع الثمن للمغتصب.

أنا ابنة تراب أكناف بيت المقدس رغماً عنهم.

* كتبت هذا المقال بناء على طلب صديق عزيز شاهد بيع المانجا "الفلسطينية" في آخر جمعة من رمضان في أحد مساجد عمان، فاشتعل غيظاً -و هو محق في غضبه- و طلب مني أن أكتب عن الموضوع.

ليست هناك تعليقات: