في مبادرة رقيقة من صاحب المدونة الصفيقة، حضرتنا، و بكامل وعينا و إدراكنا للعواقب المترتبة على الفور و التي قد تترتب مستقبلاً على قرارنا التالي ذكره، أعلن أنني، أنا، زعيم المدونة الأوحد، الديكتاتور المسيطر على ثرواتها و خيراتها، و في حالة من عدم الإلهام الأدبي المزمن قررت أن أكتب عنواناً عجيباً للتدوينة الواقعة بين يديكم و تحت أعينكم و المتسللة إلى أجهزتكم لتعيث فيها الفساد، قررت كتابة عنوان عجيب دون سابق تحضير للموضوع، إنما هي أول كلمات قفزت قفزاً حراً من رأسي لتشكل جملة "سر التلون الشفاف".
ثم إنني، ديكتاتوركم العزيز، و فور إنهائي الفقرة الماضية، قررت أن عنوان التدوينة يذكرني بألغاز المغامرين الخمسة، أصدقائي الأسطوريين المسليين، تختخ و عاطف و محب و الأختين الفاضلتين -سترهما الله- نوسة و لوزة. لذا فإن تدوينتي التالية ستكون، و أعيد التذكير بعشوائية اختياري لموضوع اليوم دون سابق تحضير، ستكون قصة بوليسية قصيرة، أخلط فيها الحابل بالنابل، و أسرد فيها للقاريء لغزاً ثم ألقي على مقربة منه أول خيوط الحل كي يلتقطه خفية و يبتسم سعيداً بفطنته لأنه أول من حل اللغز، أو كذلك سيعتقد ذاك المسكين. ثم و دون سابق إنذار، أباغته بقلب اللغز رأساً على عقب فيصبح الشرير خيّراً و يمسي الطيب لئيماً و أبقى أنا متلاعباً بمشاعر القراء المساكين.
سر التلون الشفاف
كان فجراً بارداً فوق قمة جبل هوانجشان (الجبل الأصفر) شرقي الصين، على النقيض من الجو المحموم الذي كان سائداً بين خمسة أشخاص كانوا يقفون متسمرين فوق تلك القمة. لم يشك أي منهم في أن الدقائق العشرة الأخيرة و التي مرت دون أن ينبسوا بأي كلمة كانت أطول عشر دقائق في حياة أي منهم. كان كل منهم ينظر إلى الآخر نظرة يختلط فيها الخوف بالريبة، و التوجس بالغضب، و جميعهم محقون في مشاعرهم تلك، فما حدث قبل دقائق كان كفيلاً بجعل المرء يشك في نفسه، فما بالك في أن يشك في غيره.
(الليلة الماضية)
مازالت قافلة المتسلقين تمشي، واحداً تلو الآخر، يقودهم مرشدهم "سونج"، و هو فتى صيني يجيد العربية و لا يتجاوز على أحسن الأحوال الخامسة عشرة من عمره، و هو مع ذلك صاحب بنية قوية رغم قصر قامته. كان يمشي خلفه "راشد"، رجل أعمال تعرض لعدة مشاكل في السنوات الأخيرة أفقدته عمله ثم عائلته، فقرر أن يهجر حياته و يطوف العالم بما تبقى لديه من أموال ليجرب كل غريب و يرى كل طريف. كان صامتاً طيلة وقته رغم محاولات "صابر" الذي كان يمشي خلفه فتح أبواب للحوار. كان مع "صابر" فتى صغير اسمه "علي" ملاصق لأبيه، لا يفارقه كظله. في آخر القافلة كان الصديقان المشاكسان "إحسان" و "فريد" يتسكعان و يلهوان بكل ما تطوله أيديهم أو أرجلهم.
توقف "سونج" فجأة و توقفت خلفه قافلة المتسلقين.أطرق برأسه هنيهة ثم التفت إلى من خلفه و قال بصوت هاديء: "أسمع صوت ذئاب، و مع غياب الشمس أصبح استمرارنا في المسير خطراً علينا. سنبيت هنا الليلة." أذعن المتسلقون لأوامر قائدهم الصغير و وضعوا حاجياتهم أرضاً و قاموا بنصب خيمتهم الكبيرة.
"أبي، هل يجب أن نخاف من الذئاب؟" أسئلة "علي" لأبيه فيها قلق دائم من كل شيء يفعلونه في هذا البلد البعيد عن بيتهم.
"الفتى الشجاع لا يخاف أبداً إلا ممن يستحق أن يخاف منه." اعتاد "صابر" أن يجيب أسئلة ابنه بأسلوب مبهم كي لا يسترسل الفتى في أسئلته التي يعجز صابر عن إعطاء جواب شافٍ لها.
"كفاكما عبثاً و لهواً و حاولا النوم. أنتما بحاجة إلى كل طاقتكما حين نستكمل مسيرنا." كانت هذه آخر كلمات قالها "راشد" ل"إحسان" و "فريد" قبل أن يضع رأسه على الوسادة الصغيرة التي أحضرها معه. سكت الشابان للحظات و تبادلا الابتسامات، ثم عاودا بناء برج الأحجار الذي وصل ارتفاعه إلى اثني عشر حجراً صغيراً متراصين فوق بعضهم البعض.
لم يدرك أي من المتسلقين الخمسة أن مرشدهم "سونج" قد اختفى منذ بدؤوا نصب الخيمة. لم يدركوا كذلك فداحة ما سيحدث بعد ساعات.
مرت ساعات الليل بطيئة و أقبل الفجر البارد. استيقظ الفريق بأكمله. كان الوحيد الذي لم ينم ليلاً و هو يقاوم خوفه هو "علي". كان متأكداً أنه سمع صوت شخص يتأوه ببطء من الألم قبل الفجر بساعتين، لكن خوفه منعه من القيام ليرى مصدر الصوت.
خرج الخمسة من الخيمة تباعاً ليروا أمامهم أكثر مشهد مرعب رآه أي منهم في حياته. تجمدوا في أماكنهم، كان هذا المشهد كفيلاً بأن ينسوا البرد و الذئاب. لم يستطع أي منهم أن يتحرك من مكانه، أو حتى أن يصيح. لم يرد أي منهم أن يفعل أي شيء يمكن أن يجلب له مصيراً مشابهاً.
كان "سونج" ماثلاً على بعد ثلاثة أمتار منهم، معلقاً بصخرة كبيرة بقطعتي معدن كبيرتين تخترقان كتفيه. نظرة الرعب المتجمدة على وجهه كانت كفيله بإشعارهم أن الرعب من آخر ما رآه الفتى المسكين كان هو ما قتله، لا تلك القطعتين المعدنيتين. كان قميصه ممزقاً و على بطنه علامات غريبة مرسومة بالدم. يبدو أن من قتل سونج قد وضع على عجالة لفافة من ورق متدلية من جيب بنطاله.
بعد دقائق قليلة طويلة جداً، قاوم "راشد" رعبه و خطا خطوات مترددة نحو جسد "سونج". خطف الورقة من جيبه و عاد سريعاً إلى الوراء و وجهه مازال باتجاه الجسد المعلق. فتح الورقة ببطء شديد.
نظر "راشد" إلى الآخرين و قال: "يوجد كلام مكتوب في الورقة." التف حوله باقي المتسلقين ليسمعوا منه لعلهم يعرفون من فعل هذا.
قرأ "راشد" بصوت خافت مرتجف من الخوف:
"أعزائي المتسلقين،
لقد أدخلت نفسي في تحدٍّ متعب مع القراء حيث وعدتهم بلغز في غاية التشويق.
هذه المهمة صعبة و تحتاج إلى المزيد من التفكير. أنا متعب. لذا قررت أن أقتل "سونج" و أنهي هذه القصة.
عودوا إلى بيوتكم.
ملاحظة: راشد، كفاك تجهماً.
صديقكم الشجاع،
ساري"
هناك 5 تعليقات:
صديقي لا اخفيك لقد كنت متشوقا جدا وانا اقرأ احداث القصة...بدأت اتسائل عن مصير الرحالة بعد ان فقدوا مرشدهم...اتمنى من الاخوة القراء ان يساعدوك باقتراحاتهم لتتمة القصة فقد كان استهلالا مشوقا جدا
هههه قصتك مشاغبه يا ساري
خالد كسجي
عبد الكريم،
لم أرد أن أبقِ القصة حبيسة لدي, لذا قررت نشرها بالصيغة الحالية. إن استطعت إكمالها مستقبلاً بالشكل الذي يرضيني سأنشرها كاملة إن شاء الله.
خالد:
شكراً لقراءتك إياها. ماذا تقصد بكلمة "مشاغبة"؟
من بلاد التبت البعيدة أود أن أوضح للقراء أمرا خطيرا و ذلك بأن الأخ ساري يخفي خوفا مريرا من حقائق ما حدث. أنت يا ساري لا تجرأ على إكمال القصة، و أنا أعلم كم هي صعبة و ليس من السهل بمكان أن شخص عادي يستطيع وصف ما حدث.
أدعوك إلى أن تقهر خوفك و تكمل القصة قبل أن تباغتك الكوابيس و الهواتف الليلية فتقضي عليك. أكمل ما بدأته قبل أن ......؟؟؟؟!!!!
و الله من وراء القصد
عزيزي إبراهيم،
لو علمتَ ما أعلم لوقف ما تبقى من شعر رأسك و لعجزت عن نقر الكلمات التي نقرتها أيها المحارب الشجاع.
سلامنا للحبايب في بلاد التبت بالذات الحج سينج بياع البطاطا...
إرسال تعليق