StatCounter

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

أبي و الحلاق و أنا

(التدوينة  رقم 26 في مشروع ال 31 تدوينة)

يدرك المرء أنه تقدم في العمر إذا بدأ إحدى قصصه ب "قبل أكثر من عشرين عاماً".
أنا أبلغ من العمر الآن ثلاثين عاماً و الحمد لله.

***

قبل أكثر من عشرين عاماً، كان أبي يأخذني معه إلى الحلاق. حفاظاً على الخصوصية لن أذكر اسم الحلاق و مساعده. سأسميهم في قصتي سامر (الحلاق) و وائل (مساعده). اسم صالون الحلاقة كان على اسم صاحبه، صالون "سامر".

كان مساعد الحلاق "وائل" يضع لي لوحاً خشبياً بشكل عرضي مرتكزٍ على يدي كرسي الحلاقة لأجلس عليه كي يصل رأسي إلى مستوى يعلو رأس الكرسي لتسهيل الحلاقة.

حين يحين دور أبي في الحلاقة، كنت أجلس في مقعد الانتظار و أشاهد الحلاق "سامر" و هو يحلق شعر أبي. بعد أن ينهي حلاقة شعر رأسه كنت أشاهد مشهداً غريباً يتكرر في كل مرة. مشهد لم أجد له تفسيراً إلا بعد سنين.

كان الحلاق يُدني وجهه حتى يصبح على مسافة أصابع قليلة من وجه أبي العزيز، يكاد يلمسه. ثم يبتسم الحلاق ابتسامة صفراء تظهر معها أسنانه و يرفع يديه الاثنتين في الهواء على كلتا جهتي رأسه مطبقاً السبابة على الإبهام في كل منهما، ثم يبدأ بتحريك رأسه إلى الأمام و الخلف و يحرك يديه بشكل معاكس، و أبي جالس لا يقول شيئاً. يستمر الحلاق بتحريك رأسه و يديه أمام وجه أبي محتفظاً بذات الابتسامة الصفراء و الأسنان الظاهرة، و يستمر أبي في صمته و نظره إلى الأمام.

معضلتي في ذاك الحين كانت السبب الذي يدفع هذا الحلاق الذي كنت أحسبه لطيفاً إلى السخرية من أبي بهذا الشكل. و السؤال الذي حيرني أكثر هو لماذا يجلس أبي، صاحب الشخصية القوية، لماذا يجلس دون أن يرد على هذا الحلاق المتطاول و يعلمه الأدب؟

مرت سنون و دخلت سن المراهقة المزعج و بدأت أميل إلى الذهاب إلى صالونات حلاقة شبابية، و هجرت حلاق الرجال الذي كنت أذهب إليه مع أبي. مرت سنون أخرى و أخذت رخصة قيادة السيارة و أصبحت أمر أمام صالون "سامر" بين الحين و الآخر، أنظر إلى لوحة المحل من الخارج "صالون سامر" و ألقي نظرة خاطفة داخل المحل فأرى سامر و وائل كما هما، على مدى أكثر من عشرين عاماً لم يغيرا شكل محلهما و ما زالا يعملان كعادتهما، حتى أن شكلهما لم يتغير.

كنت أَعِدُ نفسي في كل مرة أمر فيها أن أدخل يوماً و أسلم عليهما بعد هذه السنين الطويلة و أحلق شعري، فقد كبرت و تخرجت من الجامعة و أصبحت أقود سيارتي و لم أعد أهتم بكون الحلاق للشباب أم للرجال. بل كان لدي حنين لهذا الحلاق و صالونه اللذين يرمزان لطفولتي و بساطتها. 

قمت بتأجيل الحلاقة عنده على مدى سنين أكثر من مرة حتى مررت قبل مدة قصيرة أمام صالونه فرأيت لوحة جديدة مكتوب عليها "صالون وائل". نظرت في الداخل، رأيت وائل و لم أرى سامر. لا أدري أين ذهب سامر، و لكنني أشعر بتأنيب الضمير لأنني لم أدفع نفسي في يوم من الأيام إلى النزول و السلام عليه قبل أن يترك الصالون و يختفي اسمه من لوحة الصالون.

نسيت أن أذكر سر "سخرية" سامر من أبي، أو كذلك كنت أظنه يفعل. اكتشفت مع مرور السنين و ولوجي سن المراهقة و خروجي منها اختراعاً يستعمله الحلاقون لحلاقة شعر الوجه، ألا و هو الخيط. تبين أن سامر كان يضع الخيط في فمه و يطبق عليه كما لو كان مبتسماً، و يمسك طرفيه بيديه ثم يستعمله لحلاقة شعر وجه أبي. أنا كطفل صغير كنت أرى حركات اليدين و تعبيرات الوجه و لم أكن أرى الخيط نفسه.

لماذا نؤجل كل ما نريد فعله حتى يفوت الأوان ثم نندم حين نكتشف نتيجة تأجيلنا؟
و لماذا نسيء الظن بالناس؟ أيكفي أن نرى ما نظنه "سوء" تصرف كي نحكم على الفعل و صاحبه؟

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

You made me cry and you make me smile . So sweet ..so touching ...so true..Love you ..love you as a child..love you as a grown up man.. a gentleman..May God bless us with keeping the child in us forever..
Nayera el Miniawi

ساري يقول...

كلامك شكسبيري و جميل كالعادة يا أمي :)
شكراً :)